وبيان لأصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتمُّ استسلامه ـ وتركه لها يُشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله. ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث، وسائر الطاعات، لكونها ثمرات للتصديق الباطن، الذي هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له. ولهذا فسر صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وإعطاء الخُمس من المغنم. ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على مَن ارتكب كبيرة، أو بدل فريضة، لأن اسم الشيئ مطلقاً يُطلق على الكامل منه، ولا يُستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد، ولذلك جاز نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ". واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان، وهو التصديق الباطن ويتناول أصل الطاعات، فإن ذلك كله استسلام، قال: فخرج مما ذكرنا وحققنا أن الإيمان والإسلام يجتمعان، ويفترقان، وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، قال: وهذا تحقيق وافر بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام، والتي طالما غلط فيه الخائضون، وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم [1]أهـ.
وكلام ابن الصلاح هذا كافٍ في بيان ما يمكن أن تجتمع عليه نصوص الكتاب والسنة، التي استدل بها كل فريق. أما ما ذكره من أن الجمهور من أهل السنة يقولون: إن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، فلقائل أن يقول: كيف تثبت هذا القول على سبيل الإقرار، وأنت ذكرت في التحقيق السابق أنه لا يمكن أن يوجد إسلام بدون إيمان، إذ لا بد للمسلم من إيمان به يصح إسلامه؟ قلت: هذا صحيح، ولكنه لا يتنافى مع [1] نقلاً عن: النووي محي الدين يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، ج1 ص147ـ 148.