وقد يكون السبب الذي دفع الإمام مالكاً إلى هذا الرأي ـ على فرض صحة نسبته إليه ـ هو أن القرآن الكريم إنما صرَّح بالزيادة ولم يتعرَّض للنقصان.
ولكن الأليق بمسلك مالك الرواية الأخرى التي يوافق فيها السلف لأن الشُّبَه التي ذكرها الإمام النووي تؤدي إلى القول بأنه يقصد بالإيمان التصديق فقط، وهذا ما لم يقلْه الإمام مالك، بل المعروف عنه قوله بما قال به السلف من أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، وقد تقدم ذلك. كما أن الرواية الأخرى التي تذكر عنه موافقته للسلف أقوى وأشهر من حيث أنها توافق مبدأه المعروف عنه. وقد ذكر هذه الرواية الإمام النووي أيضاً عن عبد الرزاق قال: سمعت مَن أدركتُ من شيوخنا، وأصحابنا، سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والنخعي، والحسن البصري، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعبد الله بن المبارك[1].
كما ذكر هذا القول عن مالك أيضاً الإمام أحمد في كتاب السنة [2] وقد ثبت لفظ الزيادة والنقصان من الإيمان عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يُعرف فيه مخالف من الصحابة. فروى الناس من وجوه كثيرة مشهورة: عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر، عن جدِّه عمير بن حبيب الخطمي، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الإيمان يزيد وينقص "، قيل له: " وما زيادته وما نقصانه؟ " قال: " إذا ذكرنا الله وحمدناه، وسبحناه فتلك زيادته، وإذا أغفلنا ونسينا فتلك نقصانه " [3]. [1] النووي، محي الدين يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم ج1 ص146، ط المطبعة المصرية ومكتبتها. [2] ابن حنبل، أحمد بن حنبل كتاب السنة، ص76، ط المطبعة السلفية سنة 1349هـ. [3] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، كتاب الإيمان، ص186. دمشق، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. وانظر: كتاب الإيمان لابن أبي شيبة، ج 7 حديث رقم 14.