مركّباّ من أقوال وأعمال باطنة وظاهرة لزم زواله بزوال بعضها. وبنى الخوارج على هذا أن من ارتكب كبيرة ثم مات عليها، ولم يتبْ منها فهو كافر مخلد في النار (مع ملاحظة أن الخوارج أنكرت أن يكون في المعاصي صغيرة، وحكمت بأن الكل كبيرة) [1].
وبناء على هذا، فقد تجرأ الخوارج على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كفَّروا عليّاً رضي الله عنه، زاعمين أنه ارتكب كبيرة بتحكميه أبا موسى الأشعري، فحكموا بكفره، وكفر معاوية والحكمين، وكل من رضي بالتحكيم، واستحلوا دماء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسموا مبادئ وضعوها مقياساً للإيمان واتخذوها ديناً لهم، وحاربوا كل من خالفهم فيها، لاعتقادهم كفره وخرجه على ملة الإسلام.
وفي بيان اعتقاد مذهب هذه الطائفة يقول الإسفرائيني في كتاب ((التبصير في الدين)) : " اعلم أن الخوارج عشرون فرقة … وكلهم متفقوه على أمرين لا مزيد عليهما في الكفر والبدعة:
أحدهما: أنهم يزعمون أن علياً وعثمان، وأصحاب الجمل، والحكمين وكل من رضي بالتحكيم كفروا كلهم.
والثاني: أنهم يزعمون أن كل من أذنب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ويكون في النار خالداً مخلداً، إلا النجدات منهم فإنهم قالوا: إن الفاسق كافر على معنى الكفران لا على معنى الكفر [2].
فالخوارج جماعة غلاة. استحلوا دماء المسلمين وأعراضهم، بأدنى فعلة هي كبيرة في نظرهم، وإن كانت صغيرة، إذ لا فرق عندهم بين الذنوب، فكلها عندهم كبائر كما ذكرت، وهي في مستوى واحد، وتؤدي [1] انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، ص632، ط1 بمطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة، سنة 1384هـ. [2] التبصير في الدين، لأبي المظفر الإسفرائيني، المتوفى سنة 471هـ، تحقيق محمد زاهد الكوثري، ص46، ط مطبعة الأنوار سنة 1359هـ ـ 1940م.