والرأي المقابل لرأي البيهقي والأشاعرة هو رأي الماتريدية القائلين برجوع جميع صفات الأفعال هذه إلى صفة واحدة هي صفة التكوين، وهذه قديمة عندهم، ومغايرة لصفة القدرة.
وقد عرفوا صفة التكوين بأنها صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى كصفة العلم والقدرة[1].
ويقولون إن الله تعالى متصف بهذه الصفة أزلاً، وإن جميع صفات الله تعالى قديمة بدون استثناء، لأن هذه صفات كمال ومدح والله سبحانه منزه عن حدوثها، لأن معنى ذلك أنه كان محلاً للنقص الذي يقتضيه فقد صفة من الصفات.
وفي ذلك يقول النسفي: "وقال أصحابنا: إنه كان خالقاً لقيام صفة الخلق وهو التكوين بذاته في الأزل، كما كان عالماً قادراً سميعاً بصيراً، وصار الحاصل أن جميع ما هو صفة الله تعالى كان أزلياً، وهو تعالى كان موصوفاً به في الأزل، تعالى ربّنا أن يحدث له صفات المدح"[2].
وهذا شبيه بالحل الذي ارتضاه الغزالي لقضية تسلسل الحوادث في جانب الماضي، والذي سنتعرض لذكره بعد قليل.
وقد بنى الماتوريدية مذهبهم في إثبات هذه الصفة التي هي مرجع جميع صفات الأفعال العقليّة المتعدية من خلق ورزق وإحياء وإماتة وغير ذلك، بنوا مذهبهم هذا على أن التكوين لا بد أن يكون غير المكون، لأنه [1] تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي1/339. [2] المصدر السابق نفسه.