له في الماضي أعظم من الطوفان إلى ما لا بداية له في الماضي، وأن كلاً منهما لا بداية له، فإن ما لا نهاية له من هذا الطرف وهذا الطرف، ليس أمراً محصوراً محدوداً موجوداً حتى يقال هما متوازنان في المقدار، فكيف يكون أحدهما أكثر.
بل كونه لا يتناهى معناه أنه يوجد شيئاً بعد شيء دائماً، فليس هو مجتمعاً محصوراً والاشتراك في عدم التناهي لا يقتضي التساوي في المقدار إلا إذا كان ما يقال عليه إنه لا يتناهى قدراً محدوداً، وهذا باطل، فإن ما لا يتناهى ليس له حد محدود، ولا مقدار معين، بل هو بمنزلة العدد المضعف، فكما أن اشتراك الواحد والعشرة والمائة، والألف في التضعيف الذي لا يتناهى لا يقتضي تساوي مقاديرها، فكذلك هذا.
وأيضاً فإن هذين هما متناهيان من أحد الطرفين وهو الطرف المستقبل غير متناهيين من الطرف الآخر وهو الماضي، وحينئذ فقول القائل للزم التفاضل فيما لا يتناهى غلط، فإنه إنما حصل في المستقبل وهو الذي يلينا وهو متناه، ثم هما لا يتناهيان من الطرف الذي لا يلينا وهو الأزل.
وهما متناهيان من الطرف الذي يلينا وهو طرف الأبد فلا يصح أن يقال وقع التفاوت فيما لا يتناهى، إذ هذا يشعر بأن التفاوت حصل في الجانب الذي لا آخر له وليس كذلك بل إنما حصل التفاضل في الجانب المنتهي الذي له آخر فإنه لم ينقض"[1]. [1] ابن تيمية، منهاج السنة النبويّة1/305-306.