فبعد مقتل هذا الخليفة العظيم، بدأت الفتن تستشري والأحوال تضطرب، وسلطان الخلفاء يتلاشى، وذلك بسبب اعتمادهم على الفرس والترك وفتكهم ببني أمية ومناصبتهم العلويين العداء، وظهور كثير من الطوائف المارقة عن الدين، مما أدى في نهاية الأمر إلى سقوطها في أيدي التتار سنة ست وخمسين وستمائة، بعد مقتل آخر خلفائها أبي أحمد، عبد الله المستعصم على يد هولاكو خان [1] .
لذلك فإن هذين الخليفتين اللذين عاصرهما البيهقي يعتبران من آخر خلفاء بني العباس، وكان تربعهما على عرش الخلافة اسماً فقط، أما السلطة الفعلية فقد سلبت منهم إذ أصبحوا ألعوبة في يد البويهيين والسلاجقة، الذين بالغوا في إذلالهم، حتى بلغ بهم الأمر إلى أن ضيقوا عليهم حتى في حياتهم الخاصة، واضطروهم إلى بيع ما يملكون، فضاقت على الخليفة رقعة بلاده رغم اتساعها، فلم يبق له غير بغداد وأعمالها، وحتى هذه لم تكن له عليها سيطرة كاملة [2] .
ومع ذلك فقد كان الخليفة آنذاك يتمتع بقوة معنوية عظيمة، جعلت الحكام والسلاطين يحرصون على الظفر بموافقته حتى يكتسبوا الصفة الشرعية فكان يستقبل السفراء، ويلبس بردة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويضع أمامه مصحف عثمان توكيداً لسلطته الدينية [3] .
ولا يخفى أن حالاً كهذه، مشجعة لذوي الطموحات للظفر بالسلطة كي يتسببوا في التمرد الذي يؤدي إلى الانقسام، وهذا ما حدث فعلاً في جهات كثيرة من نواحي الدولة العباسية آنذاك. [1] تاريخ الأمم الإسلامية للخضري2/480. [2] تاريخ الإسلام السياسي، د. حسن إبراهيم حسن3/249. [3] المصدر نفسه.