أن الصحيح أن القول في هذه الآية ينبغي أن يكون مثل القول في غيرها من الآيات المثبتة للصفات.
يقوله- رحمه الله -: " ... على أن الصحيح في قوله: {فَثَمَّ وَجْه الْلَّهِ} أنه كقوله في سائر الآيات التي ذكر فيها الوجه، فإنه قد اطرد مجيئه في الكتاب والسنة مضافاً إلى الربّ سبحانه على طريقة واحدة ومعنى واحد، فليست فيه معنيان مختلفان في جميع المواضبع غير الموضع الذي ذكر في سورة البقرة، وهو قوله: {فَثَمَّ وَجْه الْلَّهِ} هذا لا يتعين حمله على القبلة أو الجهة، ولا يمتنع أن يراد يه وجه الرب حقيقة"[1].
ثم استدل على صحة ما رآه بأدلة كثيرة، منها:
1 - أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة، ولا شرعاً، ولا عرفاً بل القبلة لها اسم يخصها، والوجه له اسم يخصه، فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له.
2 - أن الآية صريحة في أنه أينما ولى العبد من حضر أو سفر، في صلاة أو غير صلاة فثم وجه الله وذلك أن الآية لا تعرض فيها للقبلة ولا لحكم الاستقبال بل سياقها لمعنى آخر وهو بيان عظمة الرب تعالى، وسعته، وأنه أكبر من كل شيء، وأعظم منه وأنه محيط بالعالم العلوي والسفلي، فذكر في أوّل الآية إحاطة ملكه في قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} فنبهنا بذلك على ملكه لما بينهما ثم ذكر عظمته سبحانه، وأنه أكبر وأعظم من كل شيء، فأينما ولى العبد وجهه فثم وجه الله، ثم ختم باسمين دالين على العظمة والإحاطة، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فذكر [1] مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم2/180181.