مع أن إثبات الحقيقة هو ما جاءت به النصوص، إلاّ أن تصوّر كيفيّتها أمر مستحيل، لأن الأمر متعلق بذات الله تبارك وتعالى التي لا يمكننا إدراكها أو تصوّرها، إلاّ أننا نؤمن قطعاً أنها ليست كذوات خلقه.
فلا التفويض الذي قال به البيهقي صحيح، ولا التأويل الذي ذهب إليه غيره. إذ هذان المنهجان لا مكان لهما عند السلف بل الإثبات الحقيقي هو ما ذهبوا إليه.
رأيه في بقيّة الصفات
وإذا كان البيهقي - رحمه الله - قد رضي التفويض في صفتي الاستواء والنزول على نحو ما تقدم، فإنه سلك في بقية صفات الفعل الخبرية مسلكاً آخر هو مسلك التأويل، ومن هذه الصفات التي ارتضى فيها التأويل صفة الضحك، والغضب، والمحبة، والتعجب، والكراهية ونحو ذلك. وسأورد هنا أمثلة من تلك الصفات وما ذهب إليه من معان لتأويلعها.
فأما الضحك: فقد ذهب - رحمه الله - إلى أنه قد يراد منه الإخبار عن الرضى. وأورد مما يراه يصدق عليه هذا المعنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يضحك الله إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيقاتل في سبيل الله فيستشهد" [1]. [1] الأسماء والصفات ص: 467، ورواه البخاري في كتاب الجهاد حديث رقم: 2826. ومسلم في كتاب الإمارة حديث رقم: 1890، 3/1504.