نقلت رؤية الله بالأبصار عنهم في الآخرة ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف - يعني في الآخرة - كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين مجتمعين"[1].
ولا ريب أن ما ذهب إليه البيهقي من إثبات لهذه المسألة هو الرأي الذي لا يجوز العدول عنه لصراحة ما أورده من أدلة لذلك، ولإجماع سلف الأمة عليه، وكما حكى البيهقي - رحمه الله - هذا المذهب القويم عن سلف الأمة حكاه عنهم أيضاً غيره من علماء السلف أنفسهم.
وممن حكاه من السلف، وانتصر له، وقرر عدم جواز الذهاب إلى سواه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله - حيث قال - بعد أن أورد - الأدلة التي ذكرها هنا البيهقي:
"فهذه الأحاديث كلّها وأكثر منها قد رويت في الرؤية على تصديقها، والإيمان بها، أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا ولم يزل المسلمون قديماً وحديثاً يروونها، ويؤمنون بها لا يستنكرونها، ولا ينكرونها، ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال بل كان من أكبر رجائهم، وأجزل ثواب الله في أنفسهم، النظر إلى وجه خالفهم، حتى ما يعدلون به شيئا من نعيم الجنة"[2].
وقال أيضاً: "قد صحت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعده من أهل العلم، وكتاب الله الناطق به، فإذا اجتمع الكتاب وقول الرسول، وإجماع الأمة، لم يبق لمتأوّل عندها تأويل إلا لمكابر أو جاحد"[3]. [1] الاعتقاد ص: 53. [2] الردّ على الجهمية للدارمي ص: 53، 54. [3] المصدر نفسه ص: 54.