بل هو تفسير منكر عقلاً وشرعاً، ولغة. فإن قوله "لا تضامون" يروى بالتخفيف، أي: لا يلحقكم ضيم في رؤيته كما يلحق الناس عند رؤية الشيء الحسن كالهلال، فإنه قد يلحقهم ضيم في طلب رؤيته حين يرى وهو سبحانه يتجلى تجلياً ظاهراً فيرونه كما ترى الشمس والقمر بلا ضيم يلحقكم في رؤيته، وهذه الرواية المشهورة.
وقيل "لا تضامون" بالتشديد، أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض، كما يتضام الناس عند رؤية الشيء الخفي كالهلال ... فإما أن يروى بالتشديد ويقال: "لا تضامون" أي: لا تضمكم جهة واحدة فهذا باطل لأن التضام انضمام بعضهم إلى بعض. فهو تفاعل كالتماس والتراد، ونحو ذلك ...
ثم يقال: الراؤون كلّهم في جهة واحدة على الأرض، وإن قدر أن المرئي ليس في جهة فكيف يجوز أن يقاله: "لا تضمكم جهة واحدة" وهم كلّهم على الأرض - أرض القيامة - أو في الجنة، وكل ذلك جهة ووجودهم نفسهم لا في جهة ومكان ممتنع حساً وعقلاً"[1].
وبهذا يتضح لنا أن البيهقي قد أخطأ في استدلاله بالحديث الآنف الذكر على نفي الجهة، لعدم صحة تفسيره له، وتصوّره لما ورد الحديث من أجله.
وقد لاحظت أن إثبات البيهقي وأصحابه للرؤية ونفي لازمها إنما هو نفي للرؤية نفسها، لأن نفي اللازم نفي للملزوم. لذلك كان المعتزالة أكثر منطقية مع أنفسهم حين ذهبوا إلى نفي الأمرين فراراً من الوقوع في التناقض الذي وقع فيه الأشاعرة. [1] مجموع الفتاوى16/85، 86.