وهذا الكلام الذي ساقه البيهقي عن الخطابي والصعلوكي - معجباً بما تضمنه - يدلّ على اعتقادهما أن الأعمال لا تأثير لها في جلب السعادة أو الشقاوة لصاحبها وإنما هي علامات عليها فقط، ولذلك عقب البيهقي بدفع ما قد يتوهم من الظلم في الجزاء الذي يحصل للعبد، ببيان أن العبد ملك لخالقه، وللمالك حق التصرف في مملوكه ولا يسأل – على أي وجه كان تصرفه – عن سبب ذلك التصرف، لأنه حر في ملكه يفعل به ما يريد ولا يكون ظالماً مهما فعل.
وهذا الكلام الأخير - وإن كان صحيحاً في حق الله تبارك وتعالى لأن العباد لا يخرجون عن قدره سبحانه، ولا يسأل عما قدره على عباده من خير أو شرّ، إلا أن فعل العبد له تأثير في حصول القدر على الوجه الذي حصل عليه، لأنه عمل بالأسباب الموصلة إلى ما قدره الله تبارك وتعالى من خير أو شرّ.
كما قال ابن القيم - رحمه الله -: "وقد فطر الله سبحانه عباده على الحرص على الأسباب التي هي مرام معاشهم ومصالحهم الدنيوية ... فهكذا الأسباب التي بها مصالحهم الأخروية في معادهم ... وقد يسر كلاً لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له، فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها، كان أشد اجتهاداً في فعلها، من القيام بها منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه ... فإن العبد إذا علم أن سلوك هذا االطريق يفضي به إلى رياض مونقة، وبساتين معجبة، ومساكن طيبة، ولذة نعيم لا يشوبه نكد ولا تعب كان حرصه على سلوكها، واجتهاده في المسير فيها بحسب علمه بما يفضي إليه ... فالقدر السابق معين على الأعمال وما يحث عليها، ومتقضى لها، لا أنه مناف لها وصاد عنها.