(إنه مقال لمن يهواه) هذا تعبير دقيق؛ لأن هذه الفرق والمذاهب في حقيقة أمرها مجرد أهواء بها يتركون الكتاب والسنة؛ ولذا جاء في الحديث "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء"[1]، فهو يمتلئ قلبه بالهوى فيعمى بصره ولا يهتدي إلى حق ولا يبصر نصاً ولا حديثاً بل يمضي في هواه. والذي يهوى مقال الخوارج لا يحصل من ورائه إلا الخسران والخزي والفضيحة ولهذا قال الناظم: (يردي ويفضح) ، فمآل من يهوى هوى الخوارج الخسران والردى في الدنيا والآخرة، وكذلك يفضح ويخزى ولا أعظم من هذا الخزي بأن يكفر المسلمين ويترك الملحدين، ويتسلط على أهل الإسلام ويسلم منه عباد الأوثان.
ثم انتقل إلى قول المرجئة فقال: (ولا تك مرجياً ... )
ما وصف به الناظم المرجئة من أحسن ما يوصفون به فإن المرجئة يمزجون بالدين ويلعبون به، وكلما غلا المرء في الإرجاء كان مزحه ولعبه بالدين أكبر فغلاة المرجئة يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والإيمان عندهم المعرفة فقط. فأي مزح ولعب بالدين أكبر من هذا، وأي فتح لباب المعاصي والموبقات أعظم من هذا. ينقل عن أحد المرجئة أنه مر على رجل يشرب الخمر، فشتمه المخمور، فقال المرجي: أهذا جزائي وقد جعلتك مؤمناً كامل الإيمان. [1] رواه ابن أبي عاصم في السنة بهذا اللفظ برقم (69) ، وقد صححه الألباني في تحقيقه للسنة.