الله على قدر لطف الْجَوَاهِر وكثافتها فَصَارَت حجج الله على دَرك الْأَجْسَام فعل غَيره فِي الْإِمْكَان وَلم يبين الله تَعَالَى الْخلق بِمَا يعلمُونَ بِهِ أَنه مِنْهُ بِدَلِيل يدْفع الْإِمْكَان من غَيره ليقرر كَونه مِنْهُ فِيمَا أحسهم فَكيف فِيمَا غيب عَنْهُم فضهى بِهِ من ذكرت من الثنوية وَغَيرهم أَنه لم يَجْعَل أحد مِنْهُم على فعله دَلِيلا إِذْ مَا من شَرّ إِلَّا وَأمكن أَن يكون ذَلِك خيرا لأحد وَكَذَا فِي الْجَوَاهِر من الْحَرَارَة والبرودة إِلَى آخر مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ الطبائع وَكَذَلِكَ النُّجُوم السيارة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَاسْتدلَّ أهل التَّوْحِيد على نفى قَول الثنوية بحرفين أَحدهمَا بقدرة كل وَاحِد مِنْهُمَا على أَن يسد شَيْئا عَن الآخر وَيقدر أَن يفعل مَا لَا يُعلمهُ الآخر حَتَّى إِذا قَالُوا نعم جهلوهما أَو أَحدهمَا وَإِن قَالُوا لَا عجزوهما وَالْجهل وَالْعجز يسقطان الربوبية وَالثَّانِي أَن مَا أَرَادَ هَذَا إثْبَاته يُرِيد الآخر نَفْيه فيتناقض فَدلَّ الْوُجُود على كَون الْوَاحِد
ثمَّ من مَذْهَب الْمُعْتَزلَة أَن العَبْد يقدر على فعل خَارج مِمَّا علم الله أَن يكون إِذْ كل من هُوَ فِي علم الله أَن يكون كَافِرًا يقدر على أَن يكون مُؤمنا وَحَقِيقَة كَونه خُرُوج عَن علمه فَأوجب ذَلِك للْعَبد قدرَة إسرار الْفِعْل عَن الله ثمَّ لم ينف وحدانيته فَكَذَلِك لَو كَانَ ثمَّة إِلَه آخر فَهَذَا لتعلم أَن مَذْهَبهم عِنْد التَّحْصِيل مَذْهَب الزَّنَادِقَة إِذْ الَّذِي بِهِ ثَبت التَّوْحِيد هُوَ الَّذِي ينْقض المذهبين جَمِيعًا وَالله الْمُوفق
والحرف الثَّانِي يثبتون للْعَبد قدرَة فِي نفى جَمِيع تَدْبيره من التوالد وَدفع وعيده من قَوْله {لأملأن جَهَنَّم} ويثبتون فعل جَمِيع الْكَفَرَة والأبالسة بِغَيْر الَّذِي يُرِيد الله كَونه بل هُوَ يُرِيد أَن لَا يكون ويبذل فِي منع ذَلِك كل مَا فِي خزائنه حَتَّى لَو أَرَادَ أَن يزِيد فِيهِ شَيْئا لم يقدر عَلَيْهِ ثمَّ لم يمْنَع القَوْل بالإله وَقَامَ الْخلق على