المطلب الثاني: موقف الفِرَق من الشفاعة
أنكرت الخوارج والمعتزلة [2] شفاعة الشافعين في أهل الكبائر والذين أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها، والذين دخلوها أن دخلوها أن يخرجوا منها، قال القرطبي: " وهذه الشفاعة أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح ". (3)
وهذه المقولة المضادة للأحاديث الصحيحة المتواترة برزت والصحابة أحياء، روى مسلم في صحيحه عن يزيد الفقير، قال: " كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم، جالس إلى سارية، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإذا هو ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون به والله يقول: (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) [آل عمران: 192] ، و (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) [السجدة: 20] ؟ فما هذا الذي تقولون: قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام (يعني الذي يبعثه الله فيه) ؟ قلت: نعم، قال: فإنه مقام محمد - صلى الله عليه وسلم - المحمود الذي يخرج الله به من يخرج، قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال: غير أنه قد زعم أن قوماً
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة: (1/182) . والأحاديث في هذا كثيرة. [2] الخوارج فرقة خرجت بعد معركة صفين كفّرت علياً ومعاوية، ومن معهما، وزعمت أن أهل المعاصي مخلدون في النار، والمعتزلة أتباع واصل بن عطاء ذهبوا مذهب المعتزلة، في القول بتخليد أصحاب الكبائر في النار، وتوقفوا في أمرهم في الدنيا.
(3) التذكرة للقرطبي: ص249.