بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب إليهم، وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله، فهم لا يدعونهم إلا في الرخاء، فإذا جاءت الشدائد أخلصوا لله. قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [1] الآية.
دعوة الرسل إلى توحيد الألوهية
واعلم أن التوحيد هو: إفراد الله سبحانه- بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده. فأولهم نوح -عليه السلام- أرسله الله إلى قومه؛ لما غَلَوْا في الصالحين: وَدًّا وسوَاع ويَغوث ويعوق ونسرا. وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي كسَّر صورَ هؤلاء الصالحين، أرسله الله إلى أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون، ويذكرون الله كثيرا، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله تعالى يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده، مثل: الملائكة وعيسى ومريم، وأناس غيرهم من الصالحين.
فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محضُ حق الله تعالى لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، فضلا عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يخلق ولا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا، فاقرأ قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [2]. وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ [1] سورة الإسراء آية: 67. [2] سورة يونس آية: 31.