الباب الثاني: جهود الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في توضيح العقيدة الفصل الأول: جهوده في توضيح الإيمان بالله تعالى
المبحث الأول: توحيد الربوبية
...
تمهيد:
إن عقيدة التوحيد، وإفراد الله وحده بالعبادة، هي أعظم المقاصد، وأهم الغايات، فمن أجلها خلق الله الخلق وأنزل الكتب وأرسل الرسل، وجعل الجنة والنار، فالجنة دار من أطاعه وحقق توحيده ولم يشرك به شيئاً، والنار دار من عصاه وجعل له نداً وشريكاً.
ومن تأمل نصوص القرآن الكريم، وجدها تبدي وتعيد في شأن العقيدة، داعية إليها محذرة من ضدها في آيات كثيرة بطريق متنوعة وأساليب مختلفة فتارة ببيان أنها أعظم الغايات وسبب إيجاد الخلقية، وأخرى ببيان أن الكتب إنما أنزلت والرسل إنما أرسلوا وبعثوا إلا لتحقيقها، وثالثة ببيان الوعيد الشديد لمن خالف هذه العقيدة وأتى بضدها.. وهكذا.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [2].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [3].
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [4].
وغيرها من الآيات. والقرآن كله من أوله إلى آخره في تقرير هذه العقيدة؛ لأنه إما خبر عن الله عز وجل وما يجب أن يوصف به وما يجب أن ينزه عنه وهو التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الطلبي الإرادي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرامه لأهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا من النصر والتأييد وما يكرمهم به في الآخرة وهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل
1سورة الذاريات/ الآية 56. [2] سورة النحل/ الآية 36. [3] سورة النساء/ الآية 48. [4] سورة المائدة/ الآية 72.