[المسألة الثانية إفراد الله تعالى في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله]
المسألة الثانية: إفراد الله تعالى في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله: 1 - ذات الله تعالى: إن لله تعالى في العقيدة الإسلامية ذاتًا متميزة مستقلة, لها وجود حقيقي لا خيالي، إلا أنها ذات لا تشبه ذوات المخلوقين لا من حيث الوجود ولا من حيث الصفات, فوجود الله تعالى وجود كامل لم يسبق بعدم ولا يدركه فناء ولا عدم، فهو الأول وليس قبله شيء، كما أنه الآخر وليس بعده شيء. ولما كانت هذه الذات بالحال التي ذكرنا فإن العقل البشري يستحيل عليه إدراك كنه هذه الذات لأنه لا يتصور إلا الأشياء التي تدركها حواسه المحددة. فذات الله تعالى جلت عن أن تدركها البصائر النافذة فضلًا عن الأبصار، وعظمت عن أن تتوهمها الظنون أو تتصورها الأفكار.
2 - صفات الله تعالى وأسماؤه: لما كانت ذات الله تعالى مما تعجز الأفهام عن إدراكها، وتحار العقول في بلوغ فهمها لمخالفتها لسائر المخلوقات، كان السبيل إلى التعريف بها هو التعريف بصفاته تعالى. وقد سلك القرآن الكريم ذلك المنهج وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد اتخذ القرآن الكريم في التعريف بالله تعالى منهج الاستدلال بالشاهد الموجود على الغائب. فجعل آياته الكونية الدالة على عظمته وجلاله وفائق قدرته وسلطانه منطلقًا لبيان صفاته وأسمائه المتضمنة لكماله وجلاله. فالناظر في صنعة يستدل بها على كثير من صفات صانعها.
لذا نجد أن القرآن كثيرًا ما يضرب الأمثال للناس مع أنه جعل قاعدة عامة لذلك تفيد نفي المماثلة والمشابهة بين الخالق والمخلوق كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60] وقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فكل ذات من الذوات لا بد لها من صفات تتصف بها. وإذا كان الإنسان يتصف بصفات هي في حقه صفات كمال كالعلم والسمع والبصر والعدل والإرادة والحكمة وكل صفات الكمال، فالله تعالى أولى بذلك وأعلى، مع العلم بالفارق التام بين صفات الخالق وصفات المخلوق.
ومن أسماء الله تعالى وصفاته التي وردت بها النصوص: قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ - هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ - هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24]
فوائد التعريف بالصفات: 1 - تنزيه الله تعالى عن مشابهة الخلق كما قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]
2 - تعريف الخلق بربهم وإلههم حتى يعبدوه حق عبادته بناءً على معرفتهم به، لأن كمال العبادة يكون بكمال المعرفة كما قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19]
3 - قطع الطمع عن إدراك كيفية تلك الصفات، كما قال الله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]
أفعال الله تعالى: أفعال الله تعالى تقوم على كمال القدرة وتمام العلم المحيط بكل شيء، فالله تعالى لما كان متفردًا في ذاته وصفاته استلزم ذلك أن يكون متفردًا في أفعاله، فلا يشبهه أحد من خلقه في فعل من أفعاله.
لذا نجد أن الله تعالى كثيرًا ما تحدى البشر بأن يأتوا بشيء من أفعاله فقد تحداهم بأن يخلقوا ذبابة أو ينزلوا ولو أقصر سورة من القرآن ولكن هيهات أن يقدر على شيء من ذلك أحد في اللاحق وقد عجز عنه السابقون. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23]