نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم جلد : 1 صفحه : 67
من الْمُلُوك والأمم يكذبونهم فَمَا قدرُوا قطّ على طي إعلامهم وَلَا على تَحْقِيق مَا زادوا على ذَلِك لمن يغْضب لَهُ من لَا دين لَهُ فصح أَن الْأَمريْنِ سَوَاء فَإِن قَالَ قَائِل فَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي ظَهرت مِنْهُ المعجزات قد ظفر بطبيعة وخاصية قد مَعهَا على إِظْهَار مَا أظهر قيل لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن الْخَواص قد علمت ووجوه الْحِيَل قد أحكمت وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا عمل يحدث عَنهُ اختراع جسم لم يكن كنحو مَا ظهر من اختراع المَاء الَّذِي لم يكن وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ إِحَالَة نوع إِلَى نوع آخر دفْعَة على الْحَقِيقَة وَلَا جنس إِلَى جنس آخر دفْعَة على الْحَقِيقَة وَهَذَا كُله قد ظهر على أَيدي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فصح أَنه من عِنْد الله تَعَالَى لَا مدْخل لعلم انسان وَلَا حيلته فِيهِ وَنحن نبين إِن شَاءَ الله الْفرق الْوَاضِح بَين معجزات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَبَين مَا يقدر عَلَيْهِ بِالسحرِ وَبَين حيل العجائبيين فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن الْعَالم كُله جَوْهَر وَعرض لَا سَبِيل إِلَى وجود قسم ثَالِث فِي الْعَالم دون الله تَعَالَى فَأَما الْجَوَاهِر فاختراعها من لَيْسَ إِلَى أنس وَهُوَ من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فممتنع غير مُمكن الْبَتَّةَ لأحد دون الله تَعَالَى مبتدىء الْعَالم ومخترعه فَمن ظهر عَلَيْهِ اختراع جسم كَالْمَاءِ النابع من أَصَابِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَضْرَة الْجَيْش فَهِيَ معْجزَة شاهدة من الله تَعَالَى لَهُ بِصِحَّة نبوته لَا يُمكن غير ذَلِك أصلا وَكَذَلِكَ إِحَالَة الْأَعْرَاض الَّتِي هِيَ جوهريات ذاتيات وَهِي الْفُصُول الَّتِي تُؤْخَذ من الْأَجْنَاس وَذَلِكَ كقلب الْعَصَا حَيَّة وحنين الْجذع وإحياء الْمَوْتَى الَّذين رموا وصاروا عظاماً والبقاء فِي النَّار سَاعَات لَا تؤذيه وَمَا أشبه ذَلِك وَكَذَلِكَ الْأَعْرَاض الَّتِي لَا تَزُول إِلَّا بِفساد حاملها كالفطس والرزق وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا لَا يقدر عَلَيْهِ أحد دون الله تَعَالَى بِوَجْه من الْوُجُوه وَأما إِحَالَة الْأَعْرَاض من الغيرات الَّتِي تَزُول بِغَيْر فَسَاد حملهَا فقد تكون بِالسحرِ وَمِنْه طلمسات كتنفير بعض الْحَيَوَان عَن مَكَان مَا فَلَا يقربهُ أصلا وكإبعاد الْبرد بِبَعْض الصناعات وَمَا أشبه هَذَا وَقد يزِيد الْأَمر ويفشوا الْعلم بِبَعْض هَذَا النَّوْع حَتَّى يحسبه أَكثر النَّاس كالطير والاصباغ وَمَا أشبه هَذَا وَأما التخييل بِنَوْع من الخديعة كسكين مثقوبة النّصاب تدخل فِيهَا السكين ويظن من رَآهَا أَنَّهَا دخلت فِي جَسَد الْمَضْرُوب بهَا فِي حيل غير هَذِه من حيل أَرْبَاب الْعَجَائِب والحلاج وأشباهه فَأمر يقدر عَلَيْهِ من تعلمه وتعلمه مُمكن لكل من أَرَادَهُ فَالَّذِي يَأْتِي بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام هُوَ إِحَالَة الذاتيات وَمن ذَلِك صرف الْحَواس على طبائعها كمن أَرَاك مَا لَا يرَاهُ غَيْرك أَو مسح يَده على مَرِيض فأفاق أَو سقَاهُ مَا يضر علته فبرىء أَو أخبر عَن الغيوب فِي الجزئيات عَن غير تَعْدِيل وَلَا فكرة فَهَذِهِ كلهَا إِحَالَة الذاتيات وَمَا ثَبت إِذْ ثباتها لَا يكون إِلَّا لنَبِيّ فَإِذا قد تكلمنا على مَكَان النُّبُوَّة قبل مجيئها ووجوبها حِين وجودهَا فلنتكلم الْآن بحول الله وقوته على امتناعها بعد ذَلِك فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِذْ قد صَحَّ كل مَا ذكرنَا من المعجزات الظَّاهِرَة من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام شَهَادَة من الله تَعَالَى لَهُم يصدقُوا بهَا أَقْوَالهم فقد وَجب علينا الانقياد لما أَتَوا بِهِ ولزمنا تَيَقّن كل مَا قَالُوا وَقد صَحَّ عَن رَسُول
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم جلد : 1 صفحه : 67