المخبر عما ذكر وقطع بأن ظاهر خبره هذا هو المعنى، وبأنه لا قرينة صحيحة تصرف عنه، فأنه يقطع عقلاً بوقوع ذاك المعنى، وإن كان قبل ذلك يجوز امتناعه عقلاً. وأما الشرع فظاهر، فقد طالب الأنبياء الناس أن يصدقوهم فيما يخبرون به عن ربهم، وأن يوقنوله بذلك، وقضوا بإيمان المصدق الموقن ووالوه، وبكفر الممتنع عن التصديق وعادوه، مع أن مما أخبروا به وطالبوا الناس بالإيقان به ما كانت عقول المخاطبين تستبعده، وعقول الفلاسفة وبعض المتكلمين تصوب ذاك الاستبعاد، وذلك كحشر الأجساد بل مما أخبر به الأنبياء وطالبوا الناس بالإيقان به ما تزعم الفلاسفة أنه ممتنع عقلاً، ووافقهم المتكلمون على ما وافقوهم من ذلك.
وأما العمل فلا يخفى على من تصفح أحوال الناس أنهم كانوا ولا يزالون ولن يزالوا يعتمدون على خبر الثقة الأمين فيما يقطعون فيه بعدم الامتناع وفيما يقطعون، واعتبر ذلك بأخذهم بأخبار علماء الحساب والهندسة والمساحة ونحوذلك من العلوم العقلية، وهكذا العقائد، فإن الناس يأخذونها من علمائهم تقليداً في كثير منها، ويرضى منهم علماؤهم بذلك ويحضونهم عليه.
هذا والخبر بوقوع الأمر يتضمن قطعاً بعدم امتناعه فكأن المخبر بعدم الامتناع، واحتج بمشاهدته الوقوع، ولووجب أن يتوقف عن قبول ظاهر خبر الثقة الأمين في مثل هذا لوجب مثله فيما علم جوازه عقلاً لأن جوازه لا يقتضي وقوعه وما لم يقع فالحكم بوقوعه ممتنع،
وتفسير هذا أنه إن كان ينبغي التوقف عن حمل الخبر على ظاهره فيما إذا احتمل أن يكون ذاك الظاهر ممتنعاً لذاته، فكذلك فيما إذا احتمل أن يكون ممتنعاً لثبوت نقيضه، حتى لوكنت قد علمت أن زيداً في بيته فأخبر بأنه خرج منه فإن خروجه ذلك يحتمل أن يكون ممتنعاً عقلاً لثبوت نقيضه إذا يحتمل أنه لم يخرج من بعد أن عهدته فيه، وإذا كان لم يخرج فمن الممتنع عقلاً أن يكون خرج.
المتكلم: إنما فرقنا بين النوعين لأنه قد لا يحتمل في الأول أن يقوم بعد وقت الخطاب ولو بمدة طويلة دليل على أن ذاك الظاهر ممتنع عقلاً، فيجب حينئذ