فتختل الأمور ويفسد النظام، قال الله عز وجل: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» الأنبياء: 22. وقال تعالى: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِن» المؤمنون: 71. ولما أذن الله عز وجل للبشر إذناً قدرياً عاماً في عمل ما يريدون - لأن مقصود التكليف لا يتم في حقهم إلا بذلك جعل قدرتهم محدودة، فيقع من الفساد ما يناسب قدرتهم كما هو مشاهد، وكلما زادت قدرتهم بواسطة الآلات والمخترعات زاد الفساد كما تراه في هذا العصر، ولولا الله عز وجل يكفكف شدة ذلك بقدره لكان الفساد أعظم، قال تعالى: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» البقرة:251.
إن كان الله عز وجل يأذن لأرواح الصالحين الموتى بأمر يتعلق بالأحياء فلن يكون حال الأرواح إلا كحال الملائكة سواء، بل الأرواح أولى بأن لا يؤذن لها في التصرف [1] بأهوائها، فإنها في غير دار تكليف لا تخشى عقوبة علة ما يقع منها [1] والحق أن الأرواح بعد في قبضة الواحد القهار لا تصرف لهم في شؤون الأحياء بل قد انقطع عملهم كما في الحديث: «إذا مات أبن آدم انقطع عمله غلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له» وهذه الثلاثة الباقية له بعد موته في آثار أعماله في الحيات قبل موته فليست عملاً له بعد الموت. وقال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا «وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا» فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا «الْمَوْتَ» وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى) . فالذي مات أمسك في قبضة القهار، بخلاف الحي الذي أرسل إلى أجل مسمى. وما فتح الشرك على من أشركوا بالأموات والصالحين إلا اعتقادهم فيهم أنهم يفعلون بعد موتهم مثل ما كانوا يفعلون في حياتهم أو أشد وأقوى على سبيل الكرامة بزعمهم، فتوكلوا على الأموات وعبدوهم ونسوا الحي القيوم فلم يتكلموا عليه ولم يخلصوا له العبادة كما هو مشاهد من أحوال عباد القبور والمنتصرين لهم من شرق الأرض وغربها. والله المستعان كتبه محمد عبد الرزاق س.
يقول المؤلف: إنما فرضت الأذن للأرواح فرضاً، وأوضحت أنه على فرضه فلن يكون حالها إلا كحال الملائكة في أن تصرفها إنما يكون تنفيذاً لما يأمر الله عز وجل، وكما أن ثبوت ذاك التصرف للملائكة لا شبهة فيه لمن يعبدهم فكذلك الأرواح. وهذا =