الرغبة إليهم لتحصيل شيء من ذلك لأن الله عز وجل قد أغنى الناس بالأسباب العادية، وبدعائه سبحانه، أوليس أن تسأل المالك الحقيقي القادر على كل شيء أقرب وأولى من أن تسأل جنياً على أمل أن يأذن له الله عز وجل إذناً قدرياً خاصاً في فعل مطلوبك؟ فإن فرض أن إنساناً رغب إلى الجن فحصل له نفع أو أندفع عنه ضر فذلك بمنزلة من يتقرب إلى المشركين بالسجود لأصنامهم ونحوه، فإنهم قد ينفعونه وليس ذلك بعذر له، بل الأمر أبعد فإن المشركين مأذون لهم إذناً قدرياً عاماً في النفع والضر على ما جرت به العادة.
وحال السحر كحال الجن قال الله عز وجل: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ [1] إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» أي والله أعلم إذناً قدرياً خاصاً وإنما يقع ذلك نادراً، نعم قد يعد من السحر ما هو مبني على سبب عادي غريب كالتنويم المغناطيسي، وما يقع لبعض المرتاضين من التأثير بالهمة فيحسبه الجاهل كرامة.
هذا وإذا أمر الله عز وجل بطاعة أحد أو الخضوع له أو بفعل هو في الصورة خضوع له ففعل المأمور ذلك طلباً للنفع الغيبي من الله عز وجل فهذه عبادة الله عز وجل، وهذا كسجود الملائكة لآدم، وهكذا تعظيم المسلمين لحرمات الله عز وجل كاستقبال الكعبة [2] والطواف بها وتقبيل الحجر الأسود، وغير ذلك مما أمرهم الله به ففعلوه طاعة لله غير مجاوزين ما حده لهم، وكذلك توقير النبي وإكرام الأبوين وأهل العلم والصلاح بدون مجاوزة ما حده الله تعالى من ذلك. [1] في الأصل (به أحدا) . ن [2] تعظيم المسلمين لحرمات الله واستقبال الكعبة والطواف بها وتقبيل الحجر الأسود ليس كل ذلك من الخضوع لغير الله وطاعته بل هو خضوع لله وطاعة له بهذا العمل. م ع