من هذا المطلب ضرورة أن الله عز وجل بعث رسله وأنزل كتبه في أقوام لا خبر عندهم لغير المأخذين السلفيين ولا أثر؛ واكتفى بهما وبنى عليهما.
ولا يقف الأمر عند الإستغناء عن المأخذين الخلفيين بل إن شأنهما أن يمانعا حصول الإيمان ويزلزلاه لأسباب:
الأول: أن المشتغل بهما يغفل عن المأخذين السلفيين.
الثاني: أنه يتعرض لشبهات تعتاص عليه فيسوء ظنه بالمأخذين السلفيين.
الثالث: وهو أعظم الأسباب حرمان التوفيق، فإن طالب الحق في غير المأخذين السلفيين إما أن يكون فاقداً لصدق المحبة والرغبة والإيثار للحق، وإما أن يكون كان عنده شيء من ذلك ولكنه ضعف بإعراضه عن سبيل الله عز وجل. فقد يبلغ به الضعف إلى أن يزول أثره البتة، وقد يبقى أثره في الجملة فيبقى العبد متردداً، وربما يتداركه الله عز وجل في آخر الأمر فيرجع إلى المأخذين السلفيين، وإن كان لا صفوله ذلك كما يصفولمن ثبت عليهما من أول أمره، ولذلك كان إمام الحرمين يتمنى في آخر أمره أن يموت على دين عجائز نيسابور كما تقدم في الباب الأول.
وأما المطلب الثاني فإن أراد الرازي أن الأخبار الشرعية فيه قد تفيد العلم اليقيني فما هي ظاهرة فيه كما يدل عليه قطع الأشاعرة بتنزيه الله عز وجل عن الكذب مع مصيرهم إلى أنه لا حجة في ذلك إلا النصوص كما تقدم، وكما يدل آخر كلام الرازي، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى، فهكذا يلزمه في المطلب الثالث بل هو أولى وأحرى لتعلقه بأعظم أصول الدين فالخطر فيه أشد، واحتياط الشارع له آكد، ويترتب على التلبيس فيه مفاسد عظيمة كما مر في الكلام مع ابن سينا.
وأما المطلب الثالث فقوله: «إن خبر الشارع إذا وافق العقل فالاعتماد على العقل وخبر الشارع فضل» قول مردود عليه، بل إن كان الدليل العقلي من المأخذ السلفي الأول فهما دليلان، وإلا فالنص هو الدليل، والقياس التعمقي فضله كما يعلم مما