عدم الثقة بالعقل مطلقاً ولا بما كان من جنس تلك الأقيسة، فكيف يسوغ لهم مع هذا أن يزعموا أن خبر الله عز وجل مع العلم بأنه سبحانه لا يجهل ولا يخطئ ولا يكذب - إذا قدم على قياس تلك الأقيسة كان ذلك قدحاً في العقل مطلقاً؟ بل الحق أن تقديم القياس على النص هو الأولى بأن يكون قدحاً في العقل، بل هو رد للعقل الصريح بشبهة واهية، فقد ثبت الشرع بالعقل الصريح وثبت صدق الشارع وإبانته بالعقل الصريح، وكثير من المعاني التي دلت عليها النصوص وهم ينكرونها ثابتة بالفطر والبدائة وهي رأس العقل الصريح، وقد أبتت مع ذلك بأقيسة من جنس أقيستهم.
قوله: «وإن لم يعلم موافقة العقل للخبر ولا مخالفته له ... » .
أقول: أما العقل الصريح الواضح الجلي الذي صلح أن يكون قرينة فلا يمكن أن لا يعلم، فإن جاز أن يذهل عنه بعض المخاطبين الأولين يلبث أن ينبهه غيره، فإذا لم يعلم ما يكون قرينة كان النص نفسه برهاناً على صحة ما دل عليه، وعلى عدم المخالف الصحيح، ولا يبقى إلا إحتمال أن يوحي الشياطين إلى بعض أوليائهم شبهة النظر المتعمق فيه، وقد قال الله عز وجل: «وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ» . الأنعام: 121
قوله: «فإن قيل: إن الله سبحانه لما أسمع المكلف ... » .
أقول: هذا كله مغالطة، فإن النصوص المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته لم تقتصر في الدلالة على تلك المعاني على إشعار الظاهر، بل فيها المؤكد، والصريح الواضح، والظاهر
البين، ولم يكن معها معارضاً لها قرينة صحيحة من شأنها أن لا تخفي على المخاطبين الأولين، فعلى فرض بطلان تلك المعاني أو بعضها لا يكون اللازم التلبيس فقد بل تكون كذباً صريحاً، وبطلان هذا اللازم لا يتوقف على القول بأنه يجب على الله تعالى، ولا على القول بالحسن والقبح العقليين، وإنما يتوقف على امتناع أن يكذب الله عز وجل أو يكذب رسوله،