بان لي راجياً من تعالى التوفيق.
المعنى المتبادر إلى الذهن من كلمتي «محكم» و «متشابه» أن المحكم هو المتقن الذي لا خلل فيه، والمتشابه هو الذي يشبه بعضه بعضاً، والقرآن كلام رب العالمين، أحكم الحاكمين، العليم القدير، فلابد أن يكون كله محكماً، وينبغي أن يعلم إحكام الشيء يختلف باختلاف ما أعد له، ففي البناء يختلف الإحكام في الحصن ودار السكنى وقصر النزهة، [1] وهكذا يختلف الإحكام في حجر الدار الواحدة كالمجلس والمخزن والحمام، ويختلف المعد لغرض واحد باختلاف الأحوال، فالمجلس الذي يصلح للشتاء قد لا يصلح للصيف، والذي يصلح للصيف في بلد لا تكون فيه السموم [2] قد لا يصلح في بلد تكون فيه، وهكذا الكلام كما يقوله البيانيون في تفسير البلاغة، فمهما يكن في بعض الآيات مما يزعمه بعض الناس خللاً فهو بالنظر إلى ما أعدت له الآية عين الإحكام. وهناك صفات تشترك فيها آيات القرآن كالإحكام والصدق وغير ذاك من الصفات المحمودة، فيصح أن يقال: إن القرآن كله متشابه كما أنه كله محكم، وقد وصفه الله تعالى بهذين الوصفين، قال تعالى: «الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» فاتحة سورة (هود) .
وقال عز وجل: «وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» فاتحة سورة (يّس) .
وقال سبحانه: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً» . الزمر: 23. (3) [1] كل بحسبه، فإتقان الحصن غير إحكام دار السكنى قصر النزهة. م ع [2] السموم الرياح الحارة مع الجفاف كاصبا والشمال في تهامة والحجاز وكالجنوب في مصر. م ع
(3) والذي أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإحكام والتشابه العام في القرآن يتشابهان، فهو محكم متقن بين واضح، وهو متشابه يشبه بعضه بعضاً في الإحكام والصدق والبيان والوضوح. م ع