تعالى شرف أباهم بأن خلقته بيديه سبحانه، وبيان أن له سبحان يدين كما يليق بعظمته، وهذه المعاني ظاهرة لا لبس
فيها، لكن النفس قد تتخطاها إلى الخوض في منه اليدين وكيفيتهما.
فعلى كلا القولين تكون تلك الآيات محكمة أي متقنة على ما اقتضته الحكمة، وفي بقاء المنسوخ بعيداً عن ناسخه، والإتيان بالمجمل بنوعيه ابتلاء من الله لعباده، فيكون عليهم مشقة وعناء في استنباط الأحكام لاحتياج ذلك إلى الإحاطة بنصوص الكتاب والسنة واستحضارها، وفي ذكر ما لا سبيل للعباد إلى معرفة كنهه وكيفيته مع ما يتعلق بذلك من المعاني الظاهرة ابتلاء لهم ليمتاز الزائغ عن الراسخ، وقد تقدمت حكمة الابتلاء في أوائل الرسالة.
ويبقى النظر في وجه تسمية تلك الآيات متشابهات، والذي يظهر أنه ليس المراد أنها يشبه بعضها بعضاً، بل المراد - والله أعلم - أن كل آية متشابهة، أي يمكن أت تحمل على معان متشابهة في أن لا يترجح بعضها على بعض رجحاناً بيناً.
وفي حديث (الصحيحين) : «الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات ... » وفي (فتح الباري) : «وفي رواية الأصيلي مشتبهات ... وهي رواية ابن ماجه وهو لفظ ابن عون ... ورواه الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ: «وبينهما متشابهات» واشتبهو اوتشابهو ايأتيان بمعنى واحد، شأن افتعل وتفاعل في كثير من الكلام، فالأمر الذي بين الحلال والحرام متشابه الحل والحرمة في الاحتمال، يحتمل كلاً منهما كما يحتمل الآخر، لا يترجح فيه ذا ولا ذاك، فهكذا والله أعلم تكون الآية المتشابهة يتشابه فيها معنيان فأكثر، وانطباق هذا على المجمل الذي ظاهر له واضح، فأما الذي له ظاهر فإنما يقع حيث تكون هناك قرينة تقاوم ظهوره، كما أوضحته في رسالتي في (أحكام الكذب) ، وبذلك يصير في حكم الأول، هذا بالنسبة إلى الصحابة.
فأما من بعدهم فقد علم المسلمون أن في النصوص ما هو منسوخ نسخة نص