آخر بعيد عنه، وما هو عام خصصه نص آخر، وما هو مطلق قيده نص آخر، وهكذا، فمن لم يستقرىء النصوص ويتدبرها فإنه يقف على ما هو في نفس الأمر منسوخ ولم يعلم ذلك يكون
محتملاً في حقه أن يكون حكمه باقياً، وأن يكون منسوخاً, وقس على هذا حال الباقي، فثبت التشابه.
وأما ما لا سبيل إلى علم تأويله، وأو قل: كنهه وكيفيته كاليدين في قوله تعالى: «خَلَقْتُ بِيَدَيّ» فإنه لا يبقى إلا التخرص ولا حد له فقد يتخرص الانسان وجهين، أو أكثر ومعلوم أنه لا يتبين واحد من ذلك بياناً واضحاً، فثبت التشابه.
وكلا القولين يمكن تطبيقه على السياق.
وأما القول الأول؛ فأهل الزيغ يتبعون المنسوخ والمجمل، فتارة يعيبون القرآن بالتناقض - زعموا - وبعدم البيان. وتارة يتشبثون بذلك لتقوية أهو ائهم كما فعل النصارى، إذ تشبثوا بما في القرآن من إطلاق الكلمة والروح على عيسى، وكما فعل المشركون عندما سمعوا قوله تعالى: «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم» وتارة يبتغون تأويله مع عدم تأهلهم لذلك وعدم رجوعهم إلى الراسخين، كما فعل الخوارج في قوله تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» وقوله: «لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان» ، ونحوذلك.
وأما القول الثاني: فأهل الزيغ يتبعون تلك النصوص، تارة ابتغاء الفتنة، بأن يعيبوا القرآن والإسلام بزعم أنه جاء بالباطل فيزعمون أن لفظ «بِيَدَيّ» معناه أن لله سبحانه يدين مماثلتين ليدي الإنسان يجوز عليهما ما يجوز على يدي الإنسان ثم يقولون: وهذا باطل، ثم يوجه كل منهم ذلك إلى هواه، فنمهم من يستدل بذلك على أن القرآن ليس من عند الله، وأن محمداً ليس بنبي، ومنهم من يستدل بذلك على أن القرآن جاء بالبطل مجاراة لعقول الجمهور، إلى غير ذلك. وتارة ابتغاء تأويله، فمنهم من ذهب يتخرص تخرص هشام بن الحكم وأصحابه وغيرهم من المشبهة الضالة، ومنهم من يحرف تلك النصوص بحملها على معاني بعيدة، كعقول بعضهم أن اليدين هما القدرة والإرادة وغير ذلك.