الأشعرية نفسها! فكانوا يرون بطلان ظواهر النصوص التي يقول الأشعرية ببطلانها! إلا أنهم لم يكونوا يخوضون في بيان معانيها الأخرى، فكانوا يعتقدون أن الله عز وجل غير مباين للعالم ولا محايث له ولا ولا، ومع ذلك أنهم يطلقون أنه تعالى على عرشه فوق سماواته، معتقدين بطلان ظاهر هذا ساكتين عن معناه الذي يرونه صحيحاً! وهذا القول الأخير شهره المتعمقون حتى لا يكاد يخلوا عنه كتاب من كتب الخلف في أي فن كان.
ويمكن أن يتشبثوا في الانتصار له بأن يقول: لا نزاع أن السلف كانوا أفضل الأمة
وخيرها وأعلمها بالدين وأثبتها على الحق، وكان أسلافنا من المتعمقين علماء خياراً صالحين، يعرفون فضل السلف، فلم يكونوا ليخالفوهم.
فيقال لهؤلاء إن أسلافكم ذهبوا إلى أنه لا يحتج بالعقائد بالكتاب ولا السنة ولا أقول السلف، بل كان المتبعون منهم من أجل خلق الله بالسنة، وأقول السلف، وإنما استقروا عقائدهم من النظر العقلي المتعمق فيه، ثم اعتراض بعض نصوص القرآن التي تخالف راية ورأي أشياخه من المتعمقين، فحاول صرفها عن معانيها، مع أنه في مواضع آخر يقرر أن مثل ذلك الصرف لا يسوغ وأن الخبر إذا كان صريحاً في معنى أو ظاهراً فيه ولا قرينة صحيحة تصرف عنه، فزعم أن ذاك المعنى غير واقع تكذيب للخبر وإن زعم أن المخبر تأول في نفسه معنى آخر كما تقدم إيضاحه غير مرة، وهكذا تصدى بعضهم لنصوص السنة التي تخالف راية ورأي أشياخه فرد بعضها زاعماً أنها مخالفة للعقل، وحاول صرف بعضها عن تلك المعاني كما صنعوا في نصوص القرآن، ولعلهم بظهور سخافتهم فيما يرتكبونه يحاولون ترويجه بأمرين:
الأول: زعمهم أن الملجئ لهم إلى ذلك احتياجهم إلى الدفاع عن الدين، لئلا يلزم من مجيئه بتلك النصوص بطلانه!
الثاني: عيب أئمة المؤمنين الذين يصدقون الله ورسوله، والسخرية منهم بأنهم لا