وتدبر قوله تعالى: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُون» إلى قوله: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً» إلى قوله: «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» . النساء - 59 - 65
وانظر أين أنت منها، ففي هذا الإجمال كفاية، وبها يتضح ما في عبارة الكوثري من المغالطة، فإنها توهم أن قول القائل: أرجو، أو: إن شاء الله، ينافي الجزم بما في القضية الأولى، فإن قول الكوثري في تفسير ذلك «ولا أدري ما إذا كان ما اعتقده إيماناً هنا، إيماناً عند الله» يصدق بأن تكون الإشارة إلى الإيمان بما في القضية الأولى، كأنه قال:
لا أدري هل الإيمان بنبوة محمد إيمان عند الله؟ وهكذا في بقية الأمور، وقول الكوثري: «بل جوز بتلك الإرادة أن يكون الإيمان خلاف ما يعتقده» كالصريح فيما ذكر من الإيهام.
فإن قلت: إذا كان الرجل جازماً بوجود الله تعالى وبروبيته وتفرده بالألوهية ونبوة محمد وغير ذلك من أمور الإيمان التي تتضمنها القضية الأولى فما الذي يشككه في القضية الثانية أي في أنه جازم في تلك الأمور؟ ثم ما الذي يشككه في الثالثة أي في أنه عند الله تعالى مؤمن حقاً؟
قلت: قد مر ما يكفي لوتدبرته، وأزيده إيضاحاً:
تقدم في المسألة السابقة أن الجزم يتفاوت، فإذا ثبت ذلك ولم يكن عندك برهان واضح على أن القدر الذي عندك منه كاف عند اله تعالى، فمن أين يتهيأ لك أن تجزم بذلك؟ وهب أن الجزم الأول لا يتفاوت فمن أبن لك أن تجزم بأن جزمك مسار لجزم جبريل ومحمد عليهما السلام؟ فإن منتك نفسك ذلك فأنظر إن كنت من إتباع المتكلمين في النصوص المصرحة بأن الله تعالى في السماء فوق سماواته على عرشه، والنصوص الدالة على أنه سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وإنه يجيء