والمغيبات [1] فيلتذ بذلك ويعظم جاهه بين الناس، وكذلك يتعبد ليحصل له الكشف فيصفوا إيمانه ويستريح من الوسوسة ومدافعة الشبهات، فإن هذه الطريقة غير مشروعة، ومن شأنها أن تجر إلى تعاطي الأسباب الطبيعية لتقوية النفس وإن كانت منهياً عنها في الشرع كما هو معروف في بدع المتصوفة، ومن حصل له الكشف بهذه الطريق فهو مظنة ان يضعف أيمانه أو يزول عقوبة له على سلوكه غير السبيل المشروع، حتى لوكشف له عن شيء مما يجب الإيمان به فشاهده لم ينفعه هذا الإيمان كما يعلم مما تقدم. وإنما المشروع أن يجاهد نفسه ويصرفها عن الشبهات والوساوس مستعيناً بطاعة الله تعالى والوقوف عند حدوده مبتهلاً إليه عز وجل أن يثبت قلبه بما شاء سبحانه، فهذا إنما يحمل على إتباع الشرع والاهتداء بهذا.
وكمنفعة البدن كالذي يصوم ليصح ويصلي التراويح لينهضم طعامه. وكموافقة الإلف والعادة كمن إعتاد الصلاة من صباه فيجد نفسه تنازعه إلى الصلاة فلا تستقر حتى يصلي، فإن هذا قد يكون كالذي اعتاد العبث بلحيته فيجد نفسه تنازعه إلى ذلك حتى لوكف عن ذلك أو منع منه شق عليه. وكحب الترويح عن النفس كالذي يأتي الجمعة ليتفرج ويلقى أصحابه ويقف على أخبارهم. وكمراعاة الناس لكي يمدحوه ويثنوا عليه فيعظم جاهه ويصل إلى أغراضه ولا يمقتوه، إلى غير ذلك من المقاصد، كالمرأة تتزين وتتعطر وتخرج إلى الصلاة لتشاهد الرجال وتلفتهم إليها. وكالعالم يريد أن يراه الناس ويعظموه ويستفتوه فيشتهر علمه ويعظم جاهه. وكالمنتسب إلى الصلاح يريد أن يعظمه الناس ويقبلوا يده ورجليه، ويشتهر ذكره ويتساقط الناس في شبكته، وكالحاكم النابه يريد أن يتطاول الناس إلى رؤيته ويتزاحموا وترتفع أصواتهم بمدحة وغير ذلك.
والمؤمن ولو خلصت نيته في نفس الأمر لا يستطيع أن يستيقن ذلك من نفسه. [1] قلت: ومع كون هذه الطريقة غير مشروعية، فهي من المستحيل أن توصل إلى الإطلاع على المغيبات بعد ختم الرسالة بالنبي صلى الله عيه وسلم ونزول قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول) نعم هي في الحقيقة إنما توصل إلى أوهام وخيالات، يتوهمونها كشوفات ومغيبات! ن.