الباب الأول: في الفرق بين معدن الحق ومعدن الشبهات وبيان مآخذ العقائد الإسلامية ومراتبها
مآخذ العقائد الإسلامية أربعة، سلفيان وهما الفطرة والشرع، وخلفيان وهما النظر العقلي المتعمق فيه، والكشف التصوفي.
أما الفطرة فأريد بها ما يعم الهداية الفطرية، والشعور الفطري، والقضايا التي يسميها أهل النظر ضروريات وبديهيان، والنظر العقلي العادي وأعني به ما تيسر للأميين ونحوهم ممن لم يعرف على الكلام ولا الفلسفة.
وأما الشرع فالكتاب والسنة.
وأما النظر العقلي المتعمق فيه فما يختص بعلم الكلام والفلسفة.
وأما الكشف التصوفي فمعروف «عند أهله ومن يوافقهم عليه» . (1)
فأما المأخذ السلفي الأول فالهداية والشعور الفطريان يتضحان ويتضح علو درجتهما بالنظر في أحوال البهائم والطير والحشرات كالنحل والنمل، وأذكر من ذلك مثالاً واحداً، لوأنك أخذت فراخ حمام عقب خروجهما من البيض فاعتنيت بحفظها وتغذيتها وتربيتها بعيدة عن جنسها لوجدتها بعد أن تكبر يأتلف الذكر الأنثى منها فلا يلبثان أن يبادر إلى تهيئة موضع مناسب لوضع البيض وحفظه وحضنه فيختاران موضعاً صالحاً لذلك، ثم يتلمسان ما يمهدانه به من الحشيش ونحوه، ثم تضع الأنثى البيض، ثم يتناوبان حضنه، فإذا الفراخ تناوبا
(1) زيادة من فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرزاق. ن