علماء المعقول يقسمون العلم إلى ضروري ونظري، ويقولون: إن النظر إنما يحصل به العلم إذا كانت المقدمة من الضروريات أولازمة لزوماً تعلم صحه بالضرورة، ثم قسموا الضروريات إلى أنواع، ردها بعضهم إلى ثلاثة: الوجدانيات، والحسيات، والبديهيات. قالوا: والوجدانيات قليلة الفائدة في إقامة الحجة على المخالف لأنه قد ينكر أن يكون يجد من نفسه ما يزعم المدعي أنه يجده، قالوا: فالعمدة في العلم هي الحسيات والبديهيات.
ثم ذكروا أن جماعة من الفلاسفة منهم - على ما حكاه الفخر الرازي - إماما الفلسفة أفلاطون وأرسطو، قدحوا في الحسيات، وأن آخرين قدحوا في البديهيات، وآخرين في الجميع، وأن قوماً قدحوا في إفادة النظ للعلم مطلقاً، وآخرين قدحوا في إفادة العلم في الإلهيات.
فأما القادحون في الحسيات، فاحتجوا بأن الحواس كثيراً ما تغلط، وذكروا من ذلك أمثلة تراها في (المواقف) وغيرها [1] ، ومن تدبر وجد كثيراً من أمثالها، ثم قالوا: فهذه المواضع تنبهنا لغلط الحواس فيها لوجود أدلة نبهتنا على ذلك، فيحتمل في كثير من المواضع التي نرى الحواس فيها مصيبة أن تكون غلطاً في نفس الأمر، ولكن لم يتفق أن نطلع على دليل ينبهنا على ذلك، ومن الأصول المقررة أن عدم وجدان الدليل لا يستلزم عم المدلول.
أجاب العضد وغيره بأن المدار على جزم العقل، وهو لا يجزم بمجرد الإحساس [1] من ذلك أن القبس إذا حرك بسرعة عظيمة في خط مستقيم رؤي خطا من نار، وإذا حرك كذلك على شكل دائرة رؤي دائرة من نار، والعصا المستقيمة في الماء ترى منحنية أو متعرجة، والشمس والقمر والنجوم ترى ساكنة وهي متحركة. وذو المرة يذوق الماء العذب مرا، وماء الآبار يحس دافئا في الشتاء وباردا في الصيف وهو على حالة واحدة سيفا وشتاء. وعلى رأي متأخري الفلكيين ترى الأرض كسامنة وهي متحركة، والمحموم يشكوبردا وجسده حار الخ. محمد عبد الرزاق.