أمن اختلالها بإقرار الشرع لها، فأما ما لم يقتصر الشرع على اقرارها، بل جاء على وفقها، فتلك الغاية.
الأمر الرابع: مزاولة العلوم العقلية دلت على أنه يتعارض دليلان قاطعان بحسب الظاهر بحيث نعجز عن القدح فيهما، وما هو إلا للجزم بمقدماتهما مع أن أحدهما خطأ قطعاً.
أجاب العضد بأن البديهي ما يجزم فيه بتصور الطرفين فيتوقف على تجريدهما فلعل فيه خللاً.
أقول: هذا اعتراف بأن الجزم قد يكون خطأ، فقد يكون هناك خلل يخفى على الناظر الماهر فيجزم بأنه لا خلل، غاية الأمر أنه عند تعارض الدليلين العقليين يتنبه فيعرف أن هناك خللاً فكيف بما يلوح للمتعمق من الدلائل العقلية بدون أن يلوح له ما يعارضه؟ فأما النصوص الشرعية فأنهم لا يعتدون بها، على أن المتعمقين ربما يرجحون الدليل الخفي المعقد الذي هو مظنة الخلل على البديهي الواضح - ميلاً مع الهوى ورعباً ممن يرونه أمهر في التعمق منهم، ولأنه يصعب عليهم معرفة الخلل في الخفي المعقد، ويسهل عليهم أن يدفعوا البديهي الواضح، بأن يقولوا: هذه قضية وهمية.
الأمر الخامس: أنا نجزم بصحة دليل آونة، وبما يلزمه من النتيجة، ثم يظهر خطاؤه، فجاز مثله في الكل.
أجاب الشارح بقوله: «لا نسلم أن مقدمات الدليل الذي نجزم بصحته آونة بديهية، ولئن سلم ذلك فالبديهي قد يتطرق إليه الاشتباه لخلل في تجريد طرفيه وتعقلهما على الوجه الذي هو مناط الحكم بينهما، ذلك لا يعم البديهيات» .
أقول: هذا اعتراف بأن الناظر الماهر قد يجزم بأن المقدمة بديهية، والواقع أنها غير بديهية وقد يجزم بعد تدبره وإنعام نظره أنه لا خلل وتمام الكلام كما مر في «الأمر الرابع» .