مثل حالهن، وإذا كانت هذه حال العجائز، فما عسى أن يكون حال العلماء السلفيين.
وأما الغزالي فكان يغلب عليه غريزتان:
الأولى: التوقان إلى تحصيل المعارف.
الثاني: شدة الحرص على حمل الناس على ما يراه نافعاً، لكنه نشأ في عصر وقطر كان يسود فيها ولا سيما على علماء مذهبه وفرقته وخصوصاً أساتذته أمور:
الأول: اعتقاد أن المذاهب والمقالات قد تأسست فما بقي على طالب العلم إلا أن يعرف مذهبه، ومقالة فرقته، ويتقن الأصول، والجدل، وز الكلام، ثم يتجردللدفاع عن مذهبه، ومقالة فرقته س.
الأمر الثاني: اعتقاد أن النصوص الشرعية قد فرغ منها، فما كان منها يتعلق بالفقه قد أحاط به المجتهدون، وقد زعم الغزالي أن الاجتهاد قد أنقطع، وما كان متعلقاً بالعقائد قد لخصه وهذبه أئمة الكلام مع ما أشتهر أن مدار العقائد على العقل، وإذا خالفته النصوص وجب تأويلها، وقد كثر فيها ذلك حتى أستقر عندهم أنه لا سلطان لها على العقائد، ولهذا كان هو وأستاذه إمام الحرمين من أبعد الناس عن معرفته السنة كما ترى التنبيه عليه في مواضع من (تلخيص الخبير) وفي الكلام عن قول الله عز وجل: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ» .
وفي ترجمة محمد بن محيريز من (لسان الميزان) و (تخريج أحاديث الأحياء) ، وغيرها.
وبذلك يتبين أن هذين الإمامين كانا قليلي الاعتداد بالنصوص، فإن احتجا إلى ذكرها تعسفاً بدون مبالاة لا يكاد يهيمها أن يحتجا بحديث لا يدريان لعله موضوع، ولا أن ينكر وجود حديث في (الصحاح) وهو فيها كلها.
الأمر الثالث: اشتهار أن المذاهب والمقالة اللذين نشأ عليها الغزالي هما أقوم المذاهب والمقالات، فاشتهر أن مذهب الشافعي هو المستوفي لجهتي الأثر والنظر، وأن ما عداه مخل بأحدهما، وأن مقالة الأشعرية هي المستوفية للنقل والعقل، وأن