المشقة أشد، كان الحمد أحق والكمال أعظم [1] .
1- فصل
لنا أن نقول: أن مدار كمال المخلوق على حب الحق وكراهية الباطل، فخلق الله تعالى الناس مفطورين على ذلك، وقدر لهم ما يؤكد تلك الفطرة، وما يدعوهم إلى خلافها، ليكون عليهم في اختيار وهو مقتضى الفطرة ومشقة وتعب وعناء، ولهم في خلاف ذلك شهو ة وهوى، فمن اختار منهم مقتضى الفطرة وصبر على ما فيه من المشقة والعناء، وعما في خلافه من الراحة العاجلة واللذة استحق أن يحمد، فاستحق الكمال فناله، ومن آثر الشهو ة واتبع الهوى استحق الذم فسقط.
وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة وأنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» . وهو في (صحيح البخاري) من حديث أبي هريرة بنحوه.
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال: أنظر إليها، قال: فرجع إليه فقال. وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره فقل: ارجع إليها، فرجع، فقال: وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النار فانظر إليها، فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهو ات، فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد» [2] راجع (فتح الباري) «كتاب [1] يريد أن الحكمة الإلهية التي يحمد الله عليها أن يخلق عباده من الأنس في حالة نقص ويتدرج بهم إلى الكمال باختيارهم فيما كلفهم به مما يتدرج بهم إلى الكمال بأعمالهم الاختيارية، ولوخلقهم كاملين لما عاد عليهم حمد وثناء لهذا الكمال، ولوأجبرهم على الكمال لما حمدوا أيضاً على ما أجبروا عليه، فكان الحمد والثناء عليهم أن يسر لهم طريق الكمال التدريجي باختيارهم مع شيء من المشقة. محمد عبد الرزاق. [2] وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» . قلت: وإسناده جيد. ن