الفرق ممن ذكرنا؛ فمنهم من تصدَّى للرد على المتكلمين، ومنهم من ردَّ على المقلِّدين، ومنهم من ردَّ عليهم جميعًا، ومنهم من ردَّ على المتصوفة، ومنهم من ردَّ على الذين قالوا: إن باب الاجتهاد قد انسد وأنكروا أن يكون الاجتهاد في كل زمان فرض. وهم ـ وإن كانوا قليلين في كل زمان ومكان ـ فهم الأكثرون الفائزون؛ {أولئك حزب الله ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون} ، وإليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء» . وأهل الفِرَق التي ذكرناها فهم ـ وإن كانوا أكثرين في العدد ـ؛ فهم الأقلُّون في العلم والعمل، وتراهم إذا ناظرهم المُحدِّثون نكسوا رؤوسهم وأمالوا ذقونهم، وأخذوا يشنِّعون عليهم، ويقولون فيهم ما يشهد الله ـ تعالى ـ وملائكته وأولوا العلم أنهم منه براء، وطفقوا يغرون بهم الجهَّال من الملوك والحكَّام؛ فهددوهم بالنفي والسجن والقتل، وما صدهم ذلك عن القيام بالحق؛ علمًا منهم بأن فتنة الناس ليست كعذاب الله، وهؤلاء الجهَّال الذين آذوا أهل الله وأولياءه وحزبه وأنصار نبيه سيلقون من الرذائل ما يعجز عن وصفه الواصفون؛ لأن الله قد أخبر عن نفسه بأن من آذى له وليًّا فقد بارزه بالمحاربة؛ فهؤلاء الجهال الذين عادوا أهل الحديث إليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله لا يقبِضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعه؛ ولكن يقبضه بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناسُ رؤساء جهَّالًا؛ فسئلوا فأَفْتَوا بغير علم؛ فضَلُّوا وأضَلُّوا» ؛ فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم.