بل يكون معصية مخالفة لنصّ الحديث الصحيح ـ، ولكن حيث إنّه لما فعل ما هو المطلوب والمقصود من شدّ الرّحل والسّفر كالصّلاة والزّيارة ـ كما تقدّم ـ؛ قلنا بأنّ هذا السّفر قربة من القُرب.
فإن قلتَ: هذا مشكل جدًّا؛ كيف يكون السّفر بقصد الزّيارة المُجرّدة عن كلّ شيء سواها معصية، ثم إذا أتبعها بقصد شيء آخر يكون قُربة؟!
أقول: لا إشكال هنا؛ فإنّ هذا له أمثلة جاء الشّرع بها:
فمنه: قوله ـ تعالى ـ في سورة الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلَّا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا * إلَّا مَن تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} .
فانظر؛ كيف بدَّل الله لمن تاب عن الأعمال السّيئة وعمل عملًا صالحًا السّيئة حسنة!
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن هَمَّ بحسنة فعملها كُتِبَت له عشر حسنات، ومَن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كُتِبَت له حسنة» .
فانظر؛ كيف كتب الله له همّه بالسّيئة ـ وهو معصية ـ حسنة؛ حيث إنه تركها ولم يعملها.
ومسألتنا هذه ـ وإن كانت ليس من هذا الباب من كلّ وجه ـ؛ ولكن لما كان السّفر لمجرد زيارة القبور غير مشروع؛ بل هو معصية لمخالفة الحديث الصّحيح، ولكن فعل ما هو المراد والمقصود من شدّ الرّحل والسّفر ـ وهو الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم ـ؛ فإنّ ذلك مشروع ومطلوب.
وأمّا الزّيارة فهي مشروعة أيضًا، ولكن لم يشرع لها شدّ رحل ولا سفر، بخلاف الصّلاة في المساجد الثّلاثة، فلما فعل هذا ما ليس مشروعًا ثم أتبعه بفعل ما هو المشروع والمرغّب فيه؛ انقلب سفره هذا طاعة بعد أن كان معصية؛ لأنّه صار حينئذ وسيلة إلى ما هو مشروع؛ إذ الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم مشروع لها السّفر، وحيث إنّ هذا لم يقصده بالسّفر، ولكن فعل ما هو المراد من السّفر، وزار القبر الشّريف وغيره من القبور ـ وزيارتها