فإنّهم لم يريدوا به أنّه شرط في كون السّفر للزّيارة قُربة، ما قال هذا أحد منهم، ولا يتوهّمه، ولا اقتضاه كلامه» :
فالجواب أن يقال: ما هذا التغافل والتّعامي من هذا الشّيخ؟! كيف نقل عنهم فيما مرّ أنّهم ذكروا في كتبهم استحباب السّفر للصّلاة والزيارة، ثم نفاه عنهم، وحكم عليهم هنا أنّه ما قاله منهم أحد ولا توهّمه ولا اقتضاه كلامه؟! فما هذا التّناقض، وهل مثل هذا يحتاج إلى ردّ ومناقشة؟! كلَّا؛ ولكن أقول له: إنّ كتب المتقدّمين من أهل الحديث وغيرهم لم يذكر فيها مُصَنّفوها بعد المناسك إلَّا فضل مسجده صلى الله عليه وسلم وفضل الصّلاة فيه، من غير أن يذكروا لفظة (الزّيارة) ، وأمّا كتب المتأخّرين من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم؛ لم يذكروا في صفة الزّيارة إلَّا ما نقلتَه أنتَ عنهم ورأيناه؛ فكيف يليق بك أن تقول: ما ذكره أحد ولا توهّمه ولا اقتضاه كلامه؟! تقول شيئًا ثم تنقضه في ورقة واحدة! فما هذا إلَّا تعصّب وميل عن سبيل الجادة؛ فالله يحفظنا! وكلّ مَن رجع إلى كتب المُحَدّثين الذين صَنّفوا في الصّحيح والحسن وغيرهما ـ مثل: البخاريّ، ومسلم، وأهل السُّنَن، وغيرهم ـ؛ لم يجد فيها إلَّا ذكر المدينة وفضلها، وفضل الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، وذكر شدّ الرّحل إليه، من غير لفظ (الزّيارة) ؛ فهذا يدلّ على أنّهم ما أرادوا إلَّا شدّ الرّحل والسّفر للصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، من غير قصد شيء آخر؛ وإلّا لو أرادوا شيئًا غير الصّلاة لذكروه، سيّما وأنتَ تقول: إنّ شدّ الرّحل والسّفر للزّيارة المُجرّدة هو الأصل، وهو المراد بالسّفر، والصّلاة في مسجده الشريف تابع لها! فكيف يُظَنُّ بأهل الكتب السّتّة وغيرهم أنّهم تركوا الأصل ولم يُعَرِّجوا عليه، وذكروا ما هو تابع له؟! فلا يُكتفى بذكر المتبوع عن التّابع!
وقد سمعتُ شيخنا الأستاذ محمد جمال الدين القاسميّ بدمشق يقول: «ما