وجيه؛ إلَّا أنّنا نقول: الذي ندين الله به أنّ الأحوط والأولى: شدّ الرّحل والسّفر بنيّة الزّيارة والصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم ـ كما قاله شيخ الإسلام ابن تيميّة ومَن وافقه من علماء المذاهب ـ؛ وذلك لوجهَين:
أحدهما: أنّ المسافر إذا قصد بشدّ رحله الزّيارة والصّلاة في المسجد؛ حصل له ثواب النيّتين، بخلاف ما إذا قصد الزّيارة فقط.
الثاني: أنّ قصد الزّيارة المُجرّدة فيه تعطيل للحديث الصّحيح ـ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشَدّ الرِّحال ... » الحديث ـ؛ فإنّه لو كان كلّ مَن سافر إلى المدينة لم يقصد بشدّ رحله إلَّا الزّيارة فقط؛ للزم منه ألا يكون أحد قد عمل بهذا الحديث.
فإن قلتَ: الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم حاصلة لكلّ أحد نوى الزّيارة فقط؛ لأنّه [إذا] وصل المدينة قدّم الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم ثم زار قبره الشّريف.
قلنا: هذه دعوى مقابلة بمثلها؛ فإنّا نقول: مَن نوى الصّلاة في المسجد والزيارة معًا، أو نوى الصّلاة في المسجد فقط؛ فلا بُدّ من فعل ما ذكرتُ في هذا الإشكال.
وأمّا قصد الزّيارة الخالية عن قصد الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ فالذي يظهر لي: أنّه قول ما قاله أحد، ولا دلّ عليه أثر يُعتمَد عليه.
فإن قلتَ: يدلّ على هذا القول: ما رواه الطّبرانيّ من قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن أتاني زائرًا لا تُعمِله حاجة إلَّا زيارتي؛ كان حقًّا عليّ أكون له شفيعًا يوم القيامة» ؛ فهذا الحديث صريج في الجواز، بل استحباب السّفر إلى الزّيارة، من غير قصد عبادة سواها.
أقول: هذا الحديث قد تقدّم الكلام عليه من الحافظ ابن عبد الهادي في أوّل كتابه «الصّارم المُنكي في الرّدّ على السّبكيّ» ، وقد تكلّمنا عليه أيضًا في أوّل هذا الباب عند ذكر السّبكيّ له، وبيّنّا أقوال العلماء على ما يدور عليه إسناده، وأنّه لا يصلح للاحتجاج في محلّ النّزاع، وعلى تقدير صلاحيته؛ فيكون معناه ـ