الرّحل إلى أيّ بقعة من الأرض غير المساجد الثّلاثة؛ فيلزمه القول بما قاله شيخ [الإسلام] وغيره؛ فإنّ شدّ الرّحل والسّفر إلى زيارة القبور المُجرّدة عن كلّ قصد سواها لم يرد به دليل صحيح يصلُح للاحتجاج في محلّ النّزاع؛ فوجب أن يكون هذا الحديث عامًّا في منع شدّ الرّحل إلى غير المساجد الثّلاثة. وأمّا ما استدلّ به من قياس زيارة الميّت على الحيّ؛ ففيه نظر بيِّن، سنذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ عند الكلام على الشُّبَه التي تعلّق بها السّبكيّ. وإليك عبارة من كلام شيخ الإسلام تبيِّن لك ما ذكرناه؛ قال ـ رحمه الله تعالى ـ بعد كلام طويل: «ومَن سافر إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرّسول صلى الله عليه وسلم؛ فصَلّى في مسجده، وصلَّى في مسجد قباء، وزار القبور؛ كما مَضَت به سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا هو الذي عمل العمل الصالح. ومَن أنكر هذا السّفر؛ فهو كافر يُستتاب فإن تاب وإلَّا قُتِلَ. وأمّا مَن قصد السّفر لمجرد زيارة القبر، ولم يقصد الصّلاة في مسجده، وسافر إلى مدينته فلم يُصَلِّ في مسجده صلى الله عليه وسلم، ولا سَلَّم عليه في الصّلاة؛ بل أتى القبر ثم رجع؛ فهذا مُبتدع ضالّ مخالف لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإجماع أصحابه ولعلماء أُمّته، وهو الذي ذكر فيه القولان: أحدهما أنّه محرّم والثّاني [أنّه] لا شيء عليه ولا أجر له. والذي يفعله علماء المسلمين هو الزّيارة الشّرعيّة: يُصَلّون في مسجده صلى الله عليه وسلم، ويُسَلّمون عليه في الدُّخول للمسجد وفي الصّلاة، وهذا مشروع باتّفاق المسلمين.
وقد ذكرتُ هذا في المناسك وفي الفُتيا، وذكرتُ أنه يسلِّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، وهذا هو الذي لم أذكر فيه نزاعًا في الفتيا، مع أنّ فيه نزاعًا؛ إذ من العلماء مَن لا يستحبّ زيارة القبور مطلقًا، ومنهم مَن يكرهها مطلقًا؛