وأيضًا؛ فقد نقلنا فيما سبق معنى التبرّك عند أهل اللّغة؛ وأنّ معناه طلب البركة منه؛ فأيّ عاقل ذاق طعم الإيمان يقول: إنّ الميت يُعطِي مَن يشاء ويمنع مَن يشاء؟! فما هذا إلَّا فتح باب شرّ على الإسلام وأهله، وهذا هو السّبب في منعه صلى الله عليه وسلم عن اتّخاذ القبور مساجد، وعن اتخاذ قبره عيدًا، ولعن مَن يفعل ذلك، كما لعن المُتّخذين عليها السُّرج، ومَن يذبح لغير الله، وهذا كلّه سدّ لباب الشّرك بالله العظيم، وجميع ما حذر منه صلى الله عليه وسلم قد وقع في زماننا وقبله بقرون عديدة؛ وما ذلك إلَّا بسبب فتيا من السّبكيّ وأضرابه، وما زال هذا الشّرّ يتفاقم شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى ما يُرى من العكوف على القبور، والاستنجاد بالمقبور، والذّبح لأهلها، والهتاف بأسمائها، والخشوع والتّضَرّع والتّذلّل والتّملّق عندها، والسُّجود لها، حتى أخبرني بعض النّاس أنّه رأى مَن يأتي بالكبش فيذبحه عند القبر، ورأى آخر مَن يأتي لإناء فيه سمن فيهريقه على القبر! ...
وغير ذلك من المنكرات التي ما فعل المشركون مِعْشار عُشْرها، وما هذا إلَّا بسبب تحسين بعض علماء السّوء لذلك؛ فإنّ العوام لا علم عندهم يُمَيِّزون به بين ما هو من الدّين وما هو شرك برب العالمين؛ بل تَبعوا علماء السّوء على أقوالهم وأفعالهم، واغتروا بسكوتهم وإقرارهم على ما يرونه منهم، فوالله لو كان شدّ الرّحل إلى القبور والتّبرّك بها جائزًا؛ لكان بهذه المثابة التي وصفناها حرامًا؛ لأنّ القاعدة المقرّرة وهي: أنّ «درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح» ، فكيف والأمر فوق ما وصفنا بأضعاف مضاعفة؟! ولم أعلم أنّ السّبكيّ قد أجاز فعل جميع ما ذُكِرَ ... ؛ ولكن أعلم أنّه استحبّ التّبرّك ـ بمعنى: طلب البركة ـ من قبور الصّالحين؛ فجاء غيره بعده فزاد في الطنبور نغمة والطّين بلّة؛ فجوّز السُّجود للقبور ـ انظر كتاب: «الجوهر المنظم» للهيتمي ـ. وأجاز بعضهم تقبيل أعتابها وتقبيلها ـ انظر: الرسالة المطبوعة مع «شفاء السّقام» ، المطبوع بالمطبعة الأميرية بمصر ـ. وأجاز بعضهم طلب الحوائج من أهلها؛ وقال: