الرّحال ... » أنّ السّفر ينقسم إلى: محرّم ومستحبّ فقط، والحال: أنّه قد يكون مباحًا.
فالجواب أن يقال: نعم؛ قد قسَّم العلماء السّفر إلى ثلاثة أقسام: محرّم، ومستحبّ، ومباح. فالمحرّم: إذا كان سفر معصية ـ كسفر الآبق وقاطع الطّريق، وغير ذلك مما فيه معصية ـ. والمستحبّ: ما كان فيه خير دينيّ أو دنيويّ. ومباح: إذا كان خاليًا عن هذا كلّه. والذي يظهر لي: أنّه لا يكون مباحًا؛ بل أقلّ درجاته أن يكون مستحبًّا؛ لأنّه إن كان سفرًا لأجل طلب علم أو زيارة والد أو ذي رحم وغير ذلك من الأمور المندوب إليها شرعًا؛ فهو مطلوب، وإن كان سفرًا لأجل تحصيل رزق من وجه حلال ـ كالتّجارة ونحوها ـ؛ فهو مطلوب أيضًا؛ لقوله ـ تعالى ـ: {فامشوا في مناكبها} ... وغير ذلك من الآيات والأحاديث الدّالّة على طلب الكسب من وجه الحِلّ، وأمّا كونه مباحًا: فلا يظهر لي؛ لأنّه إن خلا عن هذه الأمور كلّها؛ فهو عبث، وإضاعة مال، وتحمّل مشقّة فيما لا فائدة فيه. ولا يرد علينا: جواز السّفر بقصد السّياحة؛ فإنّا نقول: هذا السّفر من أهمّ أمور الدّين والدُّنيا معًا؛ فأمّا كونه من أهمّ أمور الدّين: فإنّه إذا رأى في سفره هذا ما فعله الله بالمكذّبين للرّسل من قبل ـ كقوم ثمود، وأصحاب الرّسّ، وغيرهم ممن قصّ الله علينا نبأهم في كتابه ـ؛ زاده هذا إيمانًا بربّه وتصديقًا بنبيّه؛ فعليه أن يقصد بسفره مثل هذا؛ لقوله ـ تعالى ـ محتجًّا على الكفّار: {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} ، {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} ... إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بالسّير في الأرض لأجل العظة والاعتبار بأحوال الذين مضوا.
وإن كان المقصود من السّفر: الاطّلاع على أحوال النّاس اليوم الذين تقدّموا وترقُّوا في المعارف والصّنائع والعمران؛ فهذا من أهمّ أمور الدّين والدُّنيا، ولا