والشّافعيّ في «الأُمّ» وأهل الكتب السّتّة وغيرهم؛ لم يذكر أحد منهم هذا السّفر؛ بل اقتصروا على ذكر: فضل المدينة، وفضل الصّلاة في مسجده، وذكروا حديث: «لا تُشَدّ الرّحال ... » ، ولما لم يذكروا شيئًا من ذلك؛ عُلِمَ أنّ السّفر لمجرد الزّيارة لم يكن معروفًا عندهم؛ وإنّما المعروف عندهم وصرّحوا به في كتبهم: السّفر إلى مسجده، وإذا صلّى فيه انثنى للسّلام عليه صلى الله عليه وسلم ـ كما فعل ابن عمر ـ، وأيّ دليل لابن تيميّة على ما ذهب إليه أعظم من هذا؟!
ثم أطال الكلام بعد ذلك، وتركنا الكلام عليه؛ لأنّه بعينه قد ذكره القاضي المالكيّ الذي اعترض على شيخ الإسلام؛ فردّ عليه شيخ الإسلام بكتاب سمّاه «الجواب الباهر» ، وقد نقلنا منه شيئًا يُبطل كلام السّبكيّ الذي ذكره في هذا المقام ـ فيما سبق ـ؛ فلا حاجة بنا إلى إعادته.
وأما قوله في الفصل الثاني: «إنّه رأى ورقة صورة فُتيا لشيخ الإسلام ابن تيميّة في هذه المسألة، وعليها عليها خطّ القاضي جمال الدّين. وحاصله أنّ ابن تيميّة يحرّم زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وزيارة غيره من الأنبياء والصّالحين ... » إلخ:
فالجواب: هذا ـ والله العظيم ـ افتراء وكذب محض، ما قاله ابن تيميّة معتقدًا، ولا كتبه في كتبه محتجًّا، وقد بيّن الحافظ ابن عبد الهادي في «الصّارم» تكذيب نسبة هذا له، وذكر قوله في الزّيارة، ونحن أيضًا قدمنا ما هو واضح ومصرّح بسنيّة زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء وجميع المسلمين وحتى الكافرين من كلام شيخ الإسلام، وإذا تأمّلتَ صورة الفُتيا التي نقلها السّبكيّ عن شيخ الإسلام تبيّن لك أنّ هذا القول الذي ذكره عنه كذب وزور؛ أوقعهم فيه عدم فهم كلام هذا الإمام. نعم؛ حرّم شدّ الرّحال إلى الزّيارة المجرّدة عن قصد آخر يبيح السّفر، وشتان بين شدّ الرّحل والسّفر إلى الزّيارة، وبين زيارة القبور الخالية من ذلك؛ وقد أسلفنا أنّهما مسألتان؛ فمَن جعلهما مسألة واحدة وحكم