الدّاعي قد توسّل بشفاعة نبيّه في دعائه؛ فكأنّه استحضره وقت ندائه؛ ومثل ذلك كثير في المقامات الخطابيّة والقرائن الاعتباريّة؛ فقوله: «في حاجتي هذه لتفضي لي» ؛ أي: ليقضها لي ربّي (بشفاعته؛ أي: في دعائه) . وذلك مشروع مأمور به؛ فإنّ الصّحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ كانوا يطلبون منه الدُّعاء، وكان يدعو لهم، وكذلك يجوز الآن أن تأتي رجلًا صالحًا فتطلب منه الدُّعاء لك؛ بل يجوز للأعلى أن يطلب من الأدنى [الدُّعاء] له؛ كما طلب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الدُّعاء من عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ في عمرته؛ بأن قال له: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» ؛ قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: «ما يسرّني [أنّ لي] بها حمر النّعم» .
قال العلّامة المناويّ: «سأل الله أولًا أن يأذن لنبيّه أن يشفع، ثمّ أقبل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ملتمسًا شفاعته له، ثم كرّ مقبلًا على ربّه أن يقبل شفاعته. والباء في (نبيّك) للتعدية، وفي (بك) للاستعانة. وقوله: «اللهمّ فشفّعه فيّ» أي: اقبل شفاعته في حقّي. والعطف على مقدّر؛ أي: اجعله شفيعًا إليّ فشفّعه. وكلّ هذه المعاني دالّة على وجود شفاعته بذلك ـ وهو: دعاؤه صلى الله عليه وسلم له بكشف عاهته ـ، وليس ذلك بمحظور؛ غاية الأمر أنّه توسّل من غير دعاء؛ بل هو نداء لحاضر. والدُّعاء أخصّ من النّداء؛ إذ هو نداء عبادة شاملة للسّؤال بما لا يقدر عليه إلَّا الله؛ وإنّما المحظور السّؤال بالذّوات لا مطلقًا؛ بل على معنى أنّهم وسائل (لله) ـ تعالى ـ بذواتهم، وأمّا كونهم وسائل