في كتاب «الفروق» ـ ثلاثة أقسام: واجب إجماعًا، وغير واجب إجماعًا، ومختلف فيه: هل يجب توحيد الله ـ تعالى ـ به أم لا؟
القسم الأوّل (الذي يجب توحيد الله ـ تعالى ـ به) : من التّعظيم بالإجماع. [فذلك كالصّلوات]ـ على اختلاف أنواعها ـ، والصّوم ـ على اختلاف رتبه في الفرض والنّفل والنّذر ـ؛ فلا يجوز أن يفعل شيئًا من ذلك لغير الله ـ تعالى ـ، وكذلك الحجّ ونحو ذلك؛ أي: كالاستغاثة والاستعانة والالتجاء، وكذلك الخلق والرّزق، والإماتة والإحياء، والبعث والنّشر، والسّعادة والشّقاء، والهداية والإضلال، والطاعة والمعصية، والقبض والبسط؛ فيجب على كلّ أحد أن يعتقد توحيد الله ـ تعالى ـ وتوحّده بهذه الأمور على سبيل الحقيقة، وإن أضيف شيء منها لغيره ـ تعالى ـ؛ فإنّما ذلك على سبيل الرّبط العاديّ، لا أنّ ذلك المشار إليه فعل شيئًا [حقيقة؛ كقلونا: قتله السّم، وأحرقته النّار، وأرواه الماء؛ فليس شيء من ذلك يفعل شيئًا] ممّا ذكر حقيقة؛ بل الله ـ تعالى ـ ربط هذه المسبّبات بهذه الأسباب كما شاء وأراد، ولو شاء لم يربطها، وهو الخالق لمسبّباتها عند وجودها، لا أنّ تلك الأسباب هي الموجودة. وكذلك إخبار الله ـ تعالى ـ عن عيسى ـ عليه السّلام ـ أنّه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص؛ معناه: أنّ الله ـ تعالى ـ كان يحيي الموتى ويبرئ عند إرادة عيسى ـ عليه السّلام ـ لذلك، لا أنّ عيسى ـ عليه السّلام ـ هو الفاعل لذلك حقيقة؛ بل الله ـ تعالى ـ هو الخالق لذلك، ومعجزة عيسى ـ عليه السّلام ـ في ذلك ربط وقوع ذلك الإحياء وذلك الإبراء بإرادته؛ فإنّ غيره يريد ذلك ولا يلزم إرادته ذلك؛