لاحقون، وأتاكم ما تُوعدون، نسأل الله لنا ولكم العافية» ـ وهو أيضا في «الصّحيح» بألفاظ وطرق ـ؛ فلم يفعل هذا الزّائر إلَّا ما هو مأذون به ومشروع، لكن بشرط أن لا يشدّ راحلته، ولا يعزم على سفر ولا يرحل؛ كما ورد تقييد الإذن بالزّيارة للقبور بحديث: «لا تُشَدّ الرّحال إلَّا لثلاثة ... » ، وهو مُقيّد لمطلق الزّيارة، وقد خُصّص بمخصّصات؛ منها: زيارة القبر الشّريف النّبويّ المحمّديّ ـ على صاحبه أفضل الصّلاة والسّلام ـ، وفي ذلك خلاف بين العلماء، وهي مسألة من المسائل التي طالت ذيولها، واشتهرت أصولها، وامتُحن بسببها من امتُحن، وليس ذكر ذلك ههنا من مقصودنا.
وأمّا إذا لم يقصد مجرّد الزّيارة؛ بل قصد المشي إلى القبر ليفعل الدُّعاء عنده فقط، وجعل الزّيارة تابعة لذلك، أو مشى [لمجموع الزّيارة] والدُّعاء؛ فقد كان يغنيه أن يتوسّل إلى الله بذلك الميّت من الأعمال الصّالحة من دون أن يمشي إلى قبره.
فإن قال: إنّما مشيتُ إلى قبره لأشير إليه عند التّوسّل به!
فيُقال له: إنّ الذي يعلم السّر وأخفى، ويحول بين المرء وقلبه، ويطّلع على خفيّات الضّمائر، وتنكشف لديه مكنونات السّرائر؛ لا يحتاج منك إلى هذه الإشارة التي زعمت أنّها الحاملة لك على قصد القبر والمشي إليه، وقد كان يغنيك أن تذكر ذلك الميّت باسمه [العلم] ، أو بما تميّز به عن غيره؛ فما أراك مشيتَ لهذه الإشارة؛ فإنّ الذي تدعوه في كلّ مكان مع كلّ إنسان، بل مشيت لتسمع الميّت توسّلك به، وتعطف قلبه عليك، وتتّخذ عنده يدًا بقصده، وزيارته والدُّعاء عنده والتّوسّل به، وأنتَ إذا