وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر فإذا كان هذا حال القرن الثاني فما ظنك بأهل هذه القرون الذين عاد المعروف فيهم منكرا والمنكر معروفا نشأ هذا الضغير وهرم عليه الكبير والبدع فشت فيمن يدعي العلم حتى اعتقدوا في ربهم وخالقهم ما يتقدس عنه ويتعالى سبحان الله عما يصفون وهذا في حق من عرفه إذا كان جازما ناصحا لنفسه استيقظ في طلب ما ينجيه ويسعده في دنياه وأخراه من العلم النافع والعمل الصالح ويكون مبني أقواله وأفعاله على الإخلاص والمتابعة على علم ومعرفة ويقين فمبنى العبادة على محبة المعبود غاية المحبة في غاية الذل والخضوع كما قال ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله ... لا بالهوى والنفس والشيطان
فالمحب لله قلبه يخشع وعينه تدمع يحاسب نفسه بالأخلاص والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم: بفعل ما أمر به وترك مانهى عنه وهذا هو دليل المحبة كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} وهذا هو الصراط المستقيم لا يعرفه السالك ولا يهتدي إليه إلا بالكتاب والسنة علما وعملا ومحبة وطلبا كما في حديث عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" وهذا لا يدرك إلا بالعلم النافع والعلم النافع لا يدرك إلا بالدخول من باب التواضع والاعتراف بالجهل والتفريط وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستعين على ماحمل من أمور الناس بقرب أهل العلم وتقريبهم إليه وكان يقرب ابن عباس على صغر سنه لعلمه بالتأويل وقد كان وقافا عند كتاب الله تعالى.
ومن سعادة العبد أن يتخذ له إخوان صدق ممن لهم علم ودين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا ذكر كما قال بعض السلف: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم: يعني بالعلم النافع والعمل الصالح فإنهم زينة في الرخاء عدة في