أهمية هذا الموضوع في الكتاب والسنة
ونصيبه من الدراسة والتأليف
إنه من الجدير بالذكر أن هذا الموضوع - الولاء والبراء - رغم أهميته ووضوحه في الكتاب والسنة إلا أن نصيبه من الدراسة والتأليف في الكتب العقدية القديمة قليل جداً. وذلك راجع في نظري إلى ثلاثة أمور:
(1) إن هذا المفهوم العقدي كان من الوضوح والنصاعة عند المسلمين الأولين بمكان، حيث إنهم - من خلال سيرتهم وتاريخهم الوضيء - كانوا على درجة عالية جداً من الصفاء العقدي، والتميز الواضح، وقيامهم أيضاً - بالجهاد في سبيل الله. كل ذلك جعل هذا الأمر واضحاً وجلياً في حسهم وأيضاً رجوعهم للكتاب والسنة في كل شيء.
(2) إن طبيعة المجتمع الإسلامي الأول خاصة بعد الخلافة الراشدة لم تبرز فيه مشاكل عقدية حول هذا الموضوع وإنما نشأت حول صفات الله جل جلاله، وقامت الفرق المختلفة بالخوض فيها , فكان لا بد أن يتصدى أهل السنة والجماعة لمعالجة ذلك الانحراف بأن يبينوا للناس أن لله صفات تليق بجلاله وعظمته. نثبتها له كما جاءت في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل.
من هنا زخرت مؤلفاتهم رحمهم الله بالحديث في هذه الشأن، ولا تجد لهم ذكراً لقضية الولاء والبراء إلا في كلمات موجزة صغيرة كقولهم (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم) [1] .
(3) وبعد خول علم الكلام في مؤلفات المسلمين العقدية، وتعكير صفوها بما ليس منها: لم يعد لهذا الموضوع ذكر البتة: وليس هو المنفرد بهذا الإقصاء، بل أنه تابع لإقصاء موضوع (لا إله إلا الله وما تقتضيه من توحيد الألوهية وما [1] الطحاوية مع شرحها (ص 528) الطبعة الرابعة.