المستورد الدخيل وما فيه من عجمة تعقيد ولعب بالألفاظ ودلالتها. وقادهم هذا الانبهار إلى إلباس التصور الإسلامي قناعاً غريباً عليه في ذاته، وغريباً عليه في عرضه، وغريباً أيضاً على أهله. وسر ذلك: أن (هناك جفوة أصيلة بين منهج الفلسفة ومنهج العقيدة وبين أسلوب الفلسفة وأسلوب العقيدة، وبين الحقائق الإيمانية الإسلامية وتلك المحاولات الصغيرة المضطربة المفتعلة التي تتضمنها الفلسفات والمباحث اللاهوتية البشرية) [1] .
وحري بنا أن نسأل: ما هو سر محاولة التوفيق بين الفلسفة البشرية الجاهلية التي نمت وترعرعت في جو وثني كافر، وبين المورد العذب دين الله (الإسلام) ؟.
هل كان ذلك نتيجة للتقليد الأعمى والسعي وراء كل ناعق؟
أم أنه كان نتيجة للقعود عن الجهاد ونشر العقيدة في ربوع الأرض؟
أم هو الترف العقلي ومجابهة أصحاب الجدل بنفس أسلوبهم؟
أم أن وراء ذلك كيداً من أعداء الإسلام في محاولة تشويه صفاء هذه العقيدة وخلطها بالشوائب الغريبة عنها؟!
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذه الأسباب مجتمعة لها دورها كل بحسب أهميته إلا أنه من خلال تتبع قصة الترجمة في عهدها الأول يظهر لي: أن كيد أعداء الدين وافق هوى عند بعض المسلمين خاصة بعض الحكام في العهد العباسي - كالمأمون مثلاً - فحدث ما حدث من ترجمة لكتب المباحث السوفسطائية اليونانية وغيرها.
ويصدق ذلك: أن المأمون بعث إلى حاكم صقلية المسيحي يطلب منه أن يبادر بإرسال مكتبه صقلية الشهيرة الغنية بكتب الفلسفة!!
وتردد الحاكم في إرسالها، وجمع رجالات دولته واستشارتهم حول هذا الطلب فأشار عليه المطران الأكبر بقوله: (إرسلها إليه، فوالله ما دخلت هذه العلوم في أمة إلا أفسدتها) فأذعن الحاكم لمشورته وعمل بها. ثم أحضر المأمون حنين بن [1] خصائص التصور الإسلامي ومقوماته للأستاذ سيد قطب (ص10- 11) دار الشروق.