وبين الأقاصيص المولدة.
قال الجاحظ يذكر ما صنع الناس من أخبار عمرو بن ود فارس قريش الذي قتله علي بن أبي طالب: "قرأت على العلماء كتاب
الفجار الأول والثاني والثالث وأمر المطيبين والأحلاف ومقتل أبي أزيهر ومجيء
الفيل وكل يوم جَمع كان لقريش، فما سمعت لعمرو هذا في شيء من ذلك
ذكر".
وكانت قصة عمرو كقصة عنترة مما يضعه العامة ولا يذهب عن العلماء
أنه موضوع لا خطر له.
وكل ما يعرف من أيام العرب أنواع ثلاثة: فمنها أيام قديمة وهي قليلة
جداً، كيوم خزاز؛ وأخبارها موجزة ومنها أيام وقعت بعد الإسلام، كيوم
الوقيظ، كان في فتنة عثمان بن عفان، ويوم الهراميت، كان في أيام عبد
الملك، ويوم الصريف، كان في أيام الرشيد، وكل ذلك يروون أخباره
ويذكرونه في شعرهم، ومنها أيام جاهلية، وهي المادة العظمى بين هذين
الطرفين الدقيقين، وترجع إلى ما قبل الإسلام بستين أو سبعين سنة أو حواليها، وأبعدها لا يتجاوز في تاريخه مائة سنة، وهي رواية جيلين يلقيها الأب إلى ابنه أو الجد إلى حفيده، على أن كل ما يُعرف منها على إيجاز أخباره لا يوفي
سبعين يوماً، وقد نصوا على أن كبارها ثلاثة: يوم شعب جبلة، وكان قبل
الإسلام بسبع وخمسين سنة، ويوم ذي قار، وقد شهده النبي - صلى الله عليه وسلم - [1] ويوم كلام ربيعة، ولم نقف على تاريخه؛ فلو كانت هذه الأيام أساطير وأقاصيص وكانت "كثرتها المطلقة موضوعة من غير شك"
كما يتوهم أستاذ الجامعة، لجعلوا هذه الثلاثة في حد الثلاثين ما داموا يريدون أن يتكثروا ويكذبوا في تعظيم العرب.
* * *
وأما بعد، فإنا نتجاوز عما بقي لنا على أستاذ الجامعة في كتابه وحسابه -
وهو كثير - فقد أعسر أشد العسر، بل أنفض، بل أفلس؛ والذي نرجوه أن يكون قد علم كيف يعلم وعقل كيف يعقل، وأن يكون قد استيقن أنه إذا كان معنا لم يزدنا، وإذا كان علينا لم ينقصنا، وإنما نفسَهُ ينقص ونفسَهُ يزيد!
كفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه، فكيف به معجَباً ورأيه الجهل بعينه؟!!
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونستغفر الله مما جمح فيه القلم أو طغى به الفكر، وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين. [1] وذكره عليه الصلاة والسلام فقال: "هذا أول يوم انتصر فيه العرب على العجم وبي نصروا".