وهذا فيه أن للعبد مشيئة لكنها تبع لمشيئة الله عز وجل، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [1].
" خلقت العباد على ما علمت " أي: خلقُك يا الله للعباد وإيجادك لهم هو على وفق العلم السابق الأزلي المحيط بكلِّ شيء. " ففي العلم يجري الفتى والمسن " فجري الناس في هذه الحياة وأعمالهم وحركاتهم وسكونهم كله إنما هو على ضوء العلم الأزلي السابق. " على ذا مننت " أي: بالإيمان والطاعة والهداية والاستقامة. " وهذا خذلت " فبقي على ضلاله وغيه وإعراضه وصدوده وكفره ونفاقه. " وهذا أعنت " أي على طاعتك، ووفقته لهداك. " وذا لم تعن " أي: لم تعنه على الطاعة والخير. ولهذا فإنَّ العبد في حاجة إلى عون الله تعالى في كلِّ حركة وسكون، وكلِّ قيام وقعود. " فمنهم شقي ومنهم سعيد " أي: إنَّ الناس على ضوء ذلك قسمان، شقي: وهم الذين كتبت عليهم الشقاوة وعملوا بعمل أهل الشقاوة. وسعيد: وهم الذين كتبت لهم السعادة وعملوا بعمل أهل السعادة. " ومنهم قبيح ومنهم حسن " أيضاً هيئاتهم متباينة ومختلفة، وكلُّ ذلك بقدر.
قال المصنف ـ رحمه الله ـ: " وأجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قليله وكثيره بقضاء الله وقدره " أي: كله بقضاء الله وقدره.
وقد اجتمع في كلامه ـ رحمه الله ـ ذكر القضاء والقدر، وهي من الألفاظ التي يقول عنها أهل العلم: إذا افترقت اجتمعت وإذا اجتمعت افترقت، مثل [1] الآيتان 28، 29 من سورة التكوير.